بينما تتواصل جهود الوساطة لأجل التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة والافراج عن المحتجزين والأسرى، تتبادل إسرائيل وحماس الاتهامات بعرقلة التوصل لاتفاق وإطالة أمد الحرب، ويضغط الجانبان من أجل تحقيق مطالب تضمن بقاءهما السياسي، وفق ما نقلت شبكة “سي. إن. إن” الإخبارية الأمريكية عن خبراء.

وذكر تحليل نشرته الشبكة الأمريكية، أنه عندما أعلنت حماس، مساء الاثنين، أنها وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار، قالت إسرائيل إن موقف حماس بعيد كل البعد عن تلبية مطالبها، وواصل جيش الاحتلال عدوانه على شرق رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، وسيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وسط ضغوط مكثفة من التيار اليميني المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو.

اقتراح الصفقة

قالت حماس، الاثنين الماضي، إنها قبلت الاقتراح المصري القطري لوقف إطلاق النار واتفاق المحتجزين في غزة، الذي يتضمن وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من غزة وتبادل الأسرى وإعادة إعمار الأراضي ورفع الحصار الذى تفرضه إسرائيل على غزة.

ويبدأ عرض حماس بالإفراج عن 33 محتجزًا من إسرائيل، مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين على مدى 42 يومًا، وينتهي بإعادة بناء غزة خلال “فترة من الهدوء المستدام”، وفقًا لوثيقة أطلعت عليها “سي. إن. إن”.

ونقلت الشبكة عن مصدر دبلوماسي مُطلع على المحادثات، في وقت سابق، إن الإشارة إلى الهدوء المستدام هي “وسيلة للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار دون تسميتها كذلك”.

وسيتم تقسيم الصفقة إلى ثلاث مراحل تستمر كل منها 42 يومًا، وسيتضمن انسحابًا إسرائيليًا نهائيًا من غزة في المرحلة الثانية، وفقًا للوثيقة التي أطلعت عليها “سي. إن. إن”.

إسرائيل ترفض إنهاء الحرب

أعلنت إسرائيل رفضها للصفقة، وقال بيني جانتس، عضو مجلس حرب الاحتلال، الاثنين الماضي، إن “نسخة حماس لا تتوافق مع الحوار الذي جرى حتى الآن مع الوسطاء وبها ثغرات مهمة”.

وقالت إسرائيل، إنها سترسل وفدًا على مستوى العمل للقاء الوسطاء المصريين والقطريين لفهم الاقتراح بشكل أفضل، وتحديد ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق، حسبما قال مسؤول إسرائيلي لـ”سي إن إن”، مضيفًا أن “أكبر نقطة شائكة هي مسألة وقف إطلاق النار الدائم وكيفية معالجتها في الصفقة”.

ونقلت الشبكة عن مسؤول أمريكي كبير، إن “إقتراح حماس يدعو إلى إنهاء الحرب، وهذا خط أحمر بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.

وقال فرانك لوينشتاين، الذي عمل كمبعوث خاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال الحرب بين إسرائيل وغزة عام 2014، لـ”سي إن إن”: “قد تكون لحظة الحقيقة في لعبة اللوم التي يلعبها الجانبان بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار”.

وأضاف لوينشتاين: “يبدو أن حماس قبلت المدة التي اقترحها الوسطاء، إلى جانب ضمانات وقف إطلاق النار الدائم التي من الواضح أنها غير قابلة للتنفيذ”.

وتابع المسؤول الأمريكي، أن الأمر الآن متروك لنتنياهو “فهو يفضل اجتياح رفح بسبب سياساته الائتلافية المتطرفة بدلًا من التوصل إلى وقف لإطلاق النار يمكن أن ينهي الحرب ويؤدي على الأرجح إلى إجراء انتخابات”.

ويدعي الاحتلال أن رفح هي المعقل الأخير لحماس في غزة، وخلال الأسبوع الماضي، تعهد نتنياهو بشن عملية برية هناك بغض النظر عن الاتفاق مع حماس وفي تحد للضغوط الأمريكية بعدم المضي قدمًا.

ومساء الاثنين، شن جيش الاحتلال غارات جوية ضد ما قال إنها أهداف لحماس في شرق رفح. وبحلول صباح الثلاثاء، سيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر رفح. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب أمر أصدره جيش الاحتلال لنحو 100 ألف من سكان شمال رفح بالإخلاء الفوري.

وحسب تحليل “سي إن إن” لم تكن عملية رفح الفلسطينية تلك على مستوى التوغل البري الكبير الذي حذرت الولايات المتحدة منه، لكنها ربما كانت مصممة لاسترضاء بعض الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو، الذين كانوا يضغطون عليه للمضي قدمًا في اجتياح المدينة، ويهدد بانهيار ائتلافه إذا لم يمتثل.

ونقلت الشبكة عن مسؤولين أمريكيين، أن إدارة بايدن لا تعتقد أن النشاط العسكري الإسرائيلي في رفح هو بداية عملية كبيرة في جنوب غزة، وقال مصدر مطلع على الخطط الإسرائيلية، إن التوغل المحدود في رفح كان يهدف إلى مواصلة الضغط على حماس من اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين.

وقال المفاوض الأمريكي السابق لوينشتاين، إن “عملية رفح قد تكون في مصلحة كل من إسرائيل وحماس”.

حسابات نتنياهو وحماس

وأضاف: “يريد نتنياهو أن يظهر مدى قوته من خلال الوقوف في وجه الولايات المتحدة والعالم للدفاع عن إسرائيل، وتعتقد حماس أنه يسير إلى فخ في رفح من شأنه أن يترك إسرائيل أكثر عزلة، بما في ذلك عن الولايات المتحدة، ويتعرض لإدانة دولية أكبر”.

ولفت تحليل “سي إن إن” إلى أن نتنياهو يجد نفسه في موقف صعب، وهو يواجه ضغوطًا شديدة من أقرب حلفائه الدوليين وعائلات المحتجزين الإسرائيليين، للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار وتجنب اجتياح واسع النطاق لرفح الفلسطينية، فضلًا عن الحاجة إلى إلزام المتشددين في ائتلافه الهش الذين لا يريدون منه أن يتوقف حتى يتم القضاء على حماس.

وحسب التحليل، تخشى حماس أيضًا مصيرها إذا انتهت الحرب دون ضمان وقف دائم لإطلاق النار، ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار القصير في نوفمبر، لم تكن حماس مهتمة بالتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لا يتضمن وقفًا دائمًا للأعمال العدائية، كما قال لوينشتاين، إذ تعتقد الحركة أن هذا هو السيناريو الوحيد الذي يضمن بقاءها.

وقال لوينشتاين: “الجانبان يريدان فقط اتفاق وقف إطلاق النار الذي يضمن بقاءهما السياسي”.

وأضاف: “بالنسبة لحماس، يعد هذا وقفًا دائمًا لإطلاق النار يسمح لها بالاحتفاظ ببعض القدرات العسكرية. بالنسبة لبيبي، هذه مجرد وقفة مؤقتة على الطريق نحو النصر الكامل”.

ويقول حسين إيبيش، باحث أول مقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، إنه على الرغم من أن حماس ونتنياهو يعتقدان أنهما استفادا سياسيًا من استمرار الصراع، إلا أن الضغوط تتصاعد محليًا على كليهما لإنهاء الأعمال العدائية.

وأضاف إيبيش لـ”سي إن إن”، أن حماس تتعرض لضغوط هائلة، بما في ذلك إلى حد ما من قادتها الذين يعيشون خارج غزة، لقبول مقترحات وقف إطلاق النار من أجل الحصول على بعض الراحة للمنظمة وإغاثة الفلسطينيين في غزة”.

ويشير إلى أن “حماس ربما تدرك أن فرص بقائها أفضل من نتنياهو، حتى لو عاودت الجماعة الظهور بشكل مختلف”.

وتابع: “حماس ستبقى. إنها منظمة سياسية وليست قائمة بالأفراد الذين يمكن قتلهم أو البنية التحتية والمعدات التي يمكن تدميرها. أما نتنياهو، على الصعيدين الشخصي والسياسي، فلن يبقى إلى الأبد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *