رغم كل هذه القدرات المتقدمة للجيش الإسرائيلي، والأسلحة التي يمكنها تنفيذ ضربات دقيقة للغاية، إلا أن الخسائر البشرية الهائلة التي خلفتها آلة الحرب الوحشية في الجانب الفلسطيني، تعود إلى استراتيجية “لافندر” التي استخدمها الاحتلال لتسوية منازل الآلاف من الفلسطينيين بالأرض، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، والتي تعتبر المدنيين “أضرارًا جانبية” يُمكن التعايش مع قتلهم، وهو ما كشف عنه عدد من ضباط المخابرات الإسرائيلية.

واستُشهد ما يقرب من 34 ألفًا من الفلسطينيين، أغلبهم من النساء والأطفال، بينما أُصيب 75 ألفًا آخرون، بجانب تدمير هائل في البنية التحتية داخل قطاع غزة، حيث كشف موقع يونوسات عن تدمير 88868 مبنى، تمثل نحو 35% من إجمالي المباني في قطاع غزة وما يقدر بنحو 121,400 وحدة سكنية، كما يسعى الاحتلال لاقتحام مدينة رفح الفلسطينية التي تؤوي 80% من النازحين البالغ عددهم مليونًا و700 ألف فلسطيني.

نظام لافندر

وسمح المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، خلال الحرب، خاصة الأسابيع والأشهر الأولى، بحسب “الجارديان” البريطانية، التي نقلت عن مصادر استخباراتية مشاركة في الحرب، بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، حيث استخدمت حملة القصف قاعدة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تسمى لافندر، وهو النظام الذي تم تطويره من قبل قسم استخبارات النخبة في جيش الدفاع الإسرائيلي، الوحدة 8200.

ووفقًا لشهادات الضباط، فإن لافندر لعب دورًا مركزيًا في الحرب، حيث قام بمعالجة كميات كبيرة من البيانات لتحديد العملاء “الصغار” المحتملين لاستهدافهم بسرعة، مُشيرين إلى أنه في مرحلة مبكرة من الحرب، أدرجت قاعدة بيانات “لافندر” ما يصل إلى 37 ألف رجل فلسطيني تم ربطهم بواسطة نظام الذكاء الاصطناعي بحماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين.

القنابل الغبية

وكشف الضباط بحسب الصحيفة أن الهجمات على مثل هذه الأهداف الصغيرة يتم تنفيذها عادة باستخدام ذخائر غير موجهة، تعرف باسم “القنابل الغبية”؛ مما يؤدي إلى تدمير منازل بأكملها وقتل جميع ساكنيها، وحتى لو تمكن العميل المستهدف من الهروب أو لم يكن موجودًا في المنزل، وبالنسبة للقادة العسكريين الأهداف التي حققها الذكاء الاصطناعي لا تنتهي، وسيتم الانتقال إلى الهدف الجديد بغض النظر عن الخسائر في المدنيين.

وبعد مرور عدة أسابيع تسارعت وتيرة تلك الاستراتيجية، وتتم الموافقة تلقائيًا على الأهداف البشرية بشكل كبير، كاشفين عن أن القصف الشديد المتواصل ليلًا ونهارًا، تم بناء على طلب القادة باستمرار استهداف سلسلة الذكاء الاصطناعي المحددة، بغض النظر عن الضحايا المحتملين.

اقتلوا المزيد

ووصف أحد ضباط المخابرات، أنهم كانوا يتعرضون لضغوط مستمرة من قبل القادة العسكريين داخل الميدان في بداية الحرب، وطلبوا منهم الحصول على أهداف لقصفها مهما كان الثمن، وهو ما دفعهم للاعتماد على لافندر الذي استخدم من خلاله الاحتلال استراتيجية تخاطر بسقوط أعداد أكبر من الضحايا المدنيين، ومن الأفضل لهم استهداف المشتبه بهم ذوي الرتب المنخفضة، عندما يكونون في منازلهم، بدلًا من استهدافهم عندما يكونون في مبنى عسكري أو يشاركون في نشاط عسكري.

وخلال الأسبوع الأول من الحرب، تم منح الإذن للقادة الإسرائيليين بقتل 15 من غير المقاتلين للقضاء على صغار المسلحين في غزة، وفي وقت انخفض إلى خمسة، لكن في إحدى المراحل اللاحقة، سُمح لهم بقتل ما يصل إلى 20 مدنيًا من غير المتورطين مقابل عميل واحد، بغض النظر عن رتبتهم أو أهميتهم العسكرية أو أعمارهم، كما رأى الجيش الإسرائيلي أنه يجوز قتل أكثر من 100 مدني في هجمات على كبار المسؤولين.

ونفى الضباط أن تكون هناك تقديرات دقيقة للضحايا المدنيين المتواجدين في المنازل قبل قصفها، حيث كان القادة متساهلين في الأضرار الجانبية التي بلغت أرقامًا مضاعفة، وذلك يعود إلى الجو السائد داخل الجيش الذي كان محملًا بالانتقام، إلا أنهم كانوا على استعداد لتحمل هامش الخطأ في استخدام الذكاء الاصطناعي، والمخاطرة بالأضرار الجانبية وموت المدنيين، والمخاطرة بالهجوم عن طريق الخطأ، والتعايش معه…..

مي محمد ✍️✍️✍️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *