المستحدث في إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة رقم تبليغ ٢٢٤ بتاريخ ٢١ فبراير ٢٠١٩ ملف رقم ١٦٨/١/٧ :-
الأصل أن يكون الانتفاع بالمال العام فيما أُعد له بدون مقابل، شريطة أن يكون بين أشخاص القانون العام فقط، لكون معظم الأملاك العامة لا تعطى ثمرًا، ولوحدة الذمة المالية للدولة، إلا أنه متى أسندت الدولة ورخصت لشخص من أشخاص القانون الخاص إدارة أحد المرافق العامة، فإن الانتفاع بالمال العام بدون مقابل لا يجد سندًا يبرره لا سيما أن إدارة المرفق لا تكون لحساب الدولة، وإنما تكون لحساب هذا الشخص، سعيًا إلى تحقيق الربح، وأن الأرباح تئول إلى مجموع المساهمين كل حسب حصته، ولا تئول إلى الخزانة العامة سوى حصتها فى الأرباح بقدر حصتها فى المساهمة بأموالها الخاصة فى رأس مال هذا الشخص الذى يدير هذا المرفق، والتى لا يدخل فيها ما عسى أن يكون قد تم تخصيصه من أموال الدولة العامة لخدمة هذا المرفق، بحسبان عدم انتقال الأموال الأخيرة إلى رأس مال هذا الشخص.

حيث استظهرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع بجلستها المنعقدة بتاريخ ٢٣ يناير ٢٠١٩ :-
أن القانون المدنى تعرض فى المادتين (87) و(88) لأحوال تخصيص المال للنفع العام وانتهاء هذا التخصيص وفقده صفته كمالٍ عام، وقضى بأن يكون التخصيص، أو الإنهاء، بقانون، أو مرسوم، أو قرار من الوزير المختص، أو بالفعل،
وحظر التصرف فى المال العام، فلا يجوز بيعه، ولا رهنه، ولا تقرير حق ذاتى خاص عليه، ولا امتلاكه بوضع اليد المدة الطويلة، أو تقرير حق عينى عليه، وحظر البيع معناه عدم جواز التصرف فى مفردات الأملاك العامة إلا إذا تقرر تحويلها إلى ملك خاص ورفع الصفة العامة عنها، أى اعتبرها خارجة عن نطاق التعامل والتملك، ولما كان المال العام خارجًا عن إطار التعامل بموجب تخصيصه للنفع العام، فإن ملكية الدولة له لا تكون بذات السلطات التى تملكها الدولة أو الأفراد بالنسبة إلى ما يملكونه ملكية خاصة، وعلى ذلك فيد الدولة عليه أقرب إلى يد الأمانة والرعاية منها إلى يد التصرف والاستغلال، فالحق عليه يقترب من الإشراف والرقابة والحراسة له، ويبتعــــد عن حق الملكية المدنية المشتملة على الانتفاع والاستثمار والاستغلال والتصرف، وهذه المزايا الثلاثة التى يتمتع بها المالك فى ملكه لا تتمتع بها الحكومة بالنسبة إلى الأموال العامة، لأن الانتفاع بتلك الأموال
من حق الجمهور ومعظم الأملاك العامة لا تعطى ثمرًا، وقد غل القانون أيدى الحكومة فى التصرف فى الأملاك العامة بالبيع أو نحوه.

وأن الأصل في ملكية الدولة أنها ملكية عامة تتغيى منها إدارة المرافق العامة التي تضطلع بأعبائها، وأن الانتفاع بالمال العام يكون بدون مقابل؛ لأنه لا يخرج عن كونه استعمالًا للمال العام فيما أعد له، ويكون نقل الانتفاع به بين أشخاص القانون العام بنقل الإشراف الإداري على هذه الأموال بدون مقابل، ولا يعد ذلك من قبيل النزول عن أموال الدولة أو التصرف فيها، واستثناء من هذا الأصل يكون للجهة العامة أن تقرر أن يكون الانتفاع بالمال العام في الغرض الذي أعد له بمقابل، شريطة أن يكون أداء هذا المقابل رهينًا بموافقة الجهة المستفيدة، ولا يعد هذا الاتفاق تأجيرًا بل عقد انتفاع بمال عام تطبق عليه القواعد العامة في العقود من ضرورة الالتزام بها، وتنفيذها بما يقتضيه حسن النية، وعدم جواز تعديلها إلا بإرادة الطرفين، وأنه ولئن كان الأصل أن تتولى الدولة إدارة المرافق العامة بطريق مباشر، فإنها أحيانًا تعهد بإدارتها واستغلالها إلى فرد، أو شركة أو هيئة، تنيبه عنها، دون أن يغير ذلك من طبيعة المرافق القائمة على المنفعة العامة، ولا من طبيعة أموالها وكونها أموالًا عامة، فلا يعدو إسناد الإدارة إلى غير الدولة فى هذه الحال سوى طريق من طرق الإدارة دون المساس بأصل وجوهر المرفق العام وطبيعة أمواله، فمن يدِرْ المرفق العام ينُبْ عن الدولة فى ذلك بهدف تحقيق النفع العام، وهو الهدف ذاته الذى تسعى إليه الدولة عندما تدير المرافق العامة بذاتها، فمفهوم المرفق العام يتحدد أصلًا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التي يتولاها، سواء أكان الانتفاع بها حقًّا للمواطنين في مجموعهم أم كان مقصورًا على بعضهـم، وسواء أتمت إدارته مباشرة من قبل الدولة أم بوساطة غيرها، وإذ ناط المشرع بوحدات الإدارة المحلية كل في دائرة اختصاصها المحافظة على أملاك الدولة الخاصة والعامة، وإدارتها، وتنظيم استغلالها، وحمايتها من التعديات، فمن ثم يكون من حق هذه الوحدات بل من واجبها تقرير مقابل عادل نظير استغلال أشخاص القانون الخاص المرافق العامة التى عهدت إليها الدولة بإدارتها، بحسبان أن الانتفاع بالمال العام لا يكون بدون مقابل إلا بين أشخاص القانون العام.

أن مفردات المال العام قد تكون مخصصة لمصلحة عمومية لا ينتفع بها الجمهور بطريقة مباشرة، وقد تكون مخصصة لاستعمال الجمهور مباشرة، فللأفراد أن يستعملوها فى أى وقت، ولكن بجانب هذا الاستعمال العام، للإدارة أن تسمح لبعض أشخاص القانون الخاص باستغلال أجزاء معينة من الدومين العام، ويشترط لهذا الاستعمال الخاص الحصول على رخصة مقدمًا، كما يشترط للترخيص به ألا يكون معطلًا لانتفاع المجموع بالأموال العامة فيما أعدت له أصلًا، وألا يكون فى ذلك خطر أو ضرر على المال العام وحفظه. وهؤلاء المصرح لهم من جهة الإدارة باستعمال المال العام ليس لهم حق عينى على المال العام؛ إذ إن استعمالهم فى الواقع مؤقت، وهو مبنى على فكرة التسامح من الإدارة، ومنح الترخيص أو رفضه أساسه المصلحة العامة، بعد تحصيل مقابل انتفاع من المرخص له. بل إن هذا الاستخدام الخاص للمال العام لا يكفى لتحقق شرعيته وللترخيص به ألا يتعارض مع وجوه النفع العام، وألا يعطل الاستخدام العام لهذا المال، بل إنه يلزم لشرعية إجازته والترخيص به أن يتحقق به وجه انتفاع عام، بأن يؤدى الترخيص إلى تعزيز وجوه النفع العام المخصص المال العام من أجلها أصلًا، وإتاحة وجوه من الخدمات المكملة والمحسنة للمنفعة العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *