نصت المادة 458 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: “تكون للأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية في حدود إختصاصها قوة الشئ المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوي الجنائية .”
وقد قضت محكمة النقض في شأن تطبيق هذا النص بما يلي:
من المقرر وفق المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية أن القاضي الجنائي يحكم فى الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته مما يطرح أمامه فى الجلسة دون إلزام عليه بطريق معين فى الإثبات إلا إذا استوجبه القانون أو حظر عليه طريقاً معيناً فى الإثبات. وإذ كان ذلك، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص فى المادة 221 على أن “تختص المحكمة الجنائية بالفصل فى جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم فى الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك” وفي المادة 222 على أنه “إذا كان الحكم فى الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل فى دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل فى الثانية” وفي الفقرة الأولى من المادة 323 على أنه “إذا كان الحكم فى الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل فى مسألة من مسائل الأحوال الشخصية جاز للمحكمة الجنائية أن توقف الدعوى وتحدد أجلاً للمتهم أو للمدعي بالحقوق المدنية أو المجني عليه حسب الأحوال لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص” وفي المادة 224 على أنه “إذا انقضى الأجل المشار إليه فى المادة السابقة ولم ترفع الدعوى إلى الجهة ذات الاختصاص يجوز للمحكمة أن تصرف النظر عن وقف الدعوى وتفصل فيها. كما يجوز لها أن تحدد للخصم أجلاً آخر إذا رأت أن هناك أسباباً معقولة تبرر ذلك”، وفي المادة 456 على أنه “يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية فى الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها. ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو عدم كفاية الأدلة. ولا تكون له هذه القوة إذا كان مبيناً على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون” وفي المادة 457 على أن “لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها” وأخيراً فى المادة 458 على أن “تكون للأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية فى حدود اختصاصها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فى المسائل التي يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الجنائية” فإن المشرع بذلك كله قد أمد القاضي الجنائي – وهو يفصل فى الدعوى الجنائية – إدانة أو براءة – بسلطة واسعة تكفل له كشف الواقعة على حقيقتها كي لا يعاقب برئ أو يفلت جان، فلا يتقيد فى ذلك إلا بقيد يورده القانون، ومن ثم كان له الفصل فى جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الجنائية لأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع – وليس عليه أن يقف الفصل فيها تربصاً لما عسى أن يصدر من أية محكمة غير جنائية من محاكم السلطة القضائية أو من أية جهة أخرى، وهو لا يتقيد بأي قرار أو حكم يصدر فيها اللهم إلا بحكم قد صدر فعلاً من محكمة الأحوال الشخصية فى حدود اختصاصها وفي المسألة – فحسب – التي يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الجنائية – وفق صريح نص المادة 458 سالفة الذكر. (الطعن رقم 1192 لسنة 45 جلسة 1975/11/23 س 26 ص 718 ق 159).
وبناءً على ما تقدم فإن الأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية لها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في حدود اختصاصها:
المبدأ العام الذي يحكم الفصل في الدعاوى الجنائية هو أن المحكمة الجنائية تختص بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعاوى الجنائية المرفوعة أمامها فأی مسألة تثور أثناء نظر الدعاوى ويتوقف على الفصل فيها الحكم في الدعوى فإن المحكمة الجنائية تختص بالفصل في تلك المسألة العارضة ، يستوى في ذلك أن تكون المسألة ذات طبيعة جنائية أم كانت طبيعة مدنية أم كانت تتعلق بمسالة من مسائل الأحوال الشخصية، وقد تضمنت المادة 223 إجراءات هذا المبدأ إلا أنها سمحت بالاستثناء إذا ما نص القانون على خلاف ذلك. وقد نص القانون على أحوال يجب فيها وقف الدعوى الجنائية حتى تفصل جهة الاختصاص في المسألة العارضة.
ولبیان متى يكون للمحكمة الجنائية أن تفصل في المسائل العارضة ومتی يلزم عليها وقف الدعوى الجنائية ومتى يجوز لها ذلك ينبغي أن تفرق بين الأنواع المختلفة للمسائل العارضة أي بحسب كونها جنائية أم مدنية أم أحوال شخصية.
المسائل الجنائية العارضة :
يختص القاضي الجنائي المرفوعة أمامه الدعوى الجنائية بالفصل في جميع المسائل العارضة التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى ولو لم تكن هذه المسائل تدخل في الاختصاص النوعي. فالمحكمة المختصة بنظر دعوى البلاغ الكاذب عن جناية، تملك الفصل في وقوع الجناية من عدمه للتحقيق من توافر أركان جريمة البلاغ الكاذب كذلك تختص بالفصل فيها حتى ولو كانت من اختصاص محكمة استئنافية او لا تدخل في اختصاصه المکانی، غير أن تلك مشروط بشرطين : الأول : هو أن تكون المسألة العارضة يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية الأصلية المرفوعة أمام القاضي . الثاني : هو ألا تكون المسالة العارضة قد رفعت بشأنها الدعوى الجنائية أو كانت منظورة أمام المحكمة المختصة فعلاً.
ولكن هل يكفي تحريك الدعوى الجنائية أمام سلطة التحقيق لوقف الدعوى الجنائية الأصلية؟ هذا ما ذهب إليه بعض الفقه . غير أن محكمة النقض ذهبت إلى غير ذلك. فقضت بأن من المقرر قانوناً وفقاً للمادة ۲۲۲ من قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة إنما توقف الدعوى إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى مما يقتضي – على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون – أن تكون الدعوى الأخرى مرفوعة فعلاً أمام القضاء ، أما إذا كانت الدعوى لم تحقق ولم ترفع بعد فلا محل لوقف الدعوى فلا يجوز للقاضي المنظورة أمامه دعوى القذف في حق ذوى الصفة العمومية أن يفصل في صحة وقوع الجريمة موضوع القذف إذا كانت الجريمة قد رفعت بشأنها الدعوى العمومية. ويجب على القاضي في هذه الحالة أن يوقف الفصل في الدعوى الجنائية إلى أن يفصل في الدعوى الأخرى المتعلقة بالمسالة العارضة بحكم نهائي. وهذا ما نص عليه المشرع في المادة ۲۲۲ إجراءات والتي تنص على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية.
وإذا حدث وفصل القاضي في المسالة العارضة دون أن يوقف الفصل في الدعوى كان حكمه باطلاً لتعلق ذلك بالنظام العام. ومع ذلك فالقاضي يجوز له عدم وقف الدعوى إذا راى أن الفصل في المسألة العارضة المنظورة أمام المحكمة المختصة ليس ضرورياً للفصل في الدعوى الأصلية.
حجية الحكم الصادر في المسألة العارضة:
إذا كان المشرع قد أوجب على القاضي وقف الدعوى حتى تفصل جهة الاختصاص في المسألة العارضة الجنائية التي حركت بشأنها الدعوى الجنائية فمفاد ذلك أن الحكم الصادر في هذه المسألة يحوز حجية أمام القاضي المنظورة أمامه الدعوى الأصلية. فإذا كان الحكم صادراً بالبراءة لعدم صحة الواقعة او لعدم كفاية الأدلة فلا يجوز للقاضي أن يعيد تقييم الواقعة والأدلة من جديد وإنما يلزم بما قضى به الحكم الصادر في المسالة العارضة، والحال كذلك إذا كان الحكم فيها بالإدانة إذ معنى ذلك ثبوت الواقعة المكونة للمسألة العارضة يتعين على القاضي أن يصدر حكمه بناء على ذلك. إنما شرط ذلك أن يكون الحكم باتاً وحائزاً لقوة الشيء المقضي به.
وفي غير أحوال الوقف الوجوبي يكون القاضي الجنائي مختصاً بالفصل في جميع المسائل العارضة الجنائية ولكن هل الحكم الصادر من القاضي في مسألة فرعية يحوز حجية إذا ما رفعت الدعوى الجنائية عن المسألة الفرعية الجنائية ؟ بمعنى ، هل الحكم بالبراءة من تهمة البلاغ الكاذب لثبوت الواقعة المبلغ عنها يقيد المحكمة الجنائية إذا ما رفعت الدعوى عن هذه الواقعة؟ أن الإجابة لابد أن تكون بالنفي لسبب بسيط وهو أن الفصل في المسالة الفرعية لم يكن فصلا في الخصومة الجنائية الناشئة عن الواقعة إذا أنها تنشا أصلا، وإنما من قبيل التحقيق المادي اللازم لا مكان الفصل في الخصومة الأصلية المنظورة أمام المحكمة.
فإذا كانت المسالة العارضة معروضة فعلا على قضاء الأحوال الشخصية وذلك في دعوى مرفوعة أمام ذلك القضاء فيتعين على القاضي الجنائي وقف الدعوى الجنائية حتى تفصل محكمة الأحوال الشخصية في المسالة المعروضة عليها، ويكون للحكم الصادر من هذه المحكمة حجية أمام القاضي الجنائي (م 458) والوقف هنا وجوبي على المحكمة حتى ولو لم يطلبه أو يدفع به أحد الخصوم .
إذا كانت القاعدة العامة هي أن الحكم المدني لا تتقيد به المحكمة الجنائية فيما يتعلق بثبوت وقوع الجريمة وإسنادها إلى الفاعل ، وسواء أكانت المحكمة المدنية قد فصلت في موضوع الثبوت أو الإسناد مباشرة أو كانت فصلت في مسألة فرعية يتوقف عليها قيام الجريمة كالملكية مثلا بالنسبة للسرقة ، فإن المشرع قيد أورد استثناء على هذه القاعدة يتعلق بالحكم الصادر في مواد الأحوال الشخصية.
فالحكم الصادر في مواد الأحوال الشخصية تكون له حجية أمام المحكمة الجنائية في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية. ومثال ذلك الأحكام الصادرة بصحة الزواج أو بطلانه بالنسبة للحكم في جريمة الزنا أو الحكم الصادر بثبوت النسب لجرائم مواقعة المحرمات.
والحكمة من ذلك كما أسلفنا هي أن المحكمة الجنائية لا ولاية لها بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية على عكس ما هو مقرر بالنسبة للمسائل المدنية.
وقد نصت على هذا الاستثناء المادة 458 حيث ورد بها تكون للأحكام الصادرة من دوائر الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية.
ونظرا لهذه الحجية فإن المشرع قد رتب نتيجة أخرى وهي وجوب وقف الدعوى الجنائية إذا عرضت مسألة من مسائل الأحوال الشخصية ضرورية للفصل في الدعوى الجنائية ، وذلك إلى حيث صدور حكم من الجهة المختصة. إذ أن التلازم بين الحجية ووجوب وقف الدعوى أمر ضروري ومنطقي في الوقت ذاته. وتأسيساً على ذلك قضت المادة ۲۲۳ إجراءات على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى ، وتحدد للمتهم أو المدعي بالحقوق المدنية أو المجني عليه على حسب الأحوال أجلاً لرفع المسالة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص.
ولكن يستثنى من هذه القاعدة أن يكون موضوع النزاع أمام المحكمة غير الجنائية خارجاً بطبيعته عن ولاية المحاكم العادية، إذ تتقيد المحكمة الجنائية بالحكم الذي يصدر فيه من المحكمة المختصة، وقد طبق الشارع ذلك في المادة 458 فنص على أن تكون للأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية» ولم ترد إشارة في هذا النص إلى أحكام محاكم الأحوال الشخصية على سبيل الحصر، وإنما تقاس عليها كل المحاكم التي تختص بموضوعات تخرج بطبيعتها عن ولاية المحاكم العادية، كالمحاكم الإدارية.