أعلن عن هروب رئيس النظام السوري، بشار الأسد الفارّ، من البلاد، فجر يوم الثامن من الشهر الجاري، إثر تقدم قوات فصائل المعارضة السورية ونجاحها بالسيطرة على العاصمة دمشق، بعدما سيطرت على محافظات حلب وحماة وحمص ومناطق أخرى. ومنذ اللحظة التي أعلن فيها، سقوط النظام، تعددت الروايات عن سبب ذلك السقوط، سواء في الإعلام العربي أو الدولي.
وفيما كان لحليفه الأبرز، روسيا، رواية محددة أعلنتها الخارجية الروسية، في يوم الإعلان عن سقوطه وفراره من البلاد، قالت فيها، إن الأسد “تخلى عن منصبه” بعد مفاوضات مع عدد من “أطراف النزاع” في البلاد، كما قالت، مؤكدة أن الأسد الفار “وجّه بنقل السلطة سلمياً” وبعدها قام بالفرار من البلاد.
روسيا: الأسد تنحّى
يشار إلى أن البيان الذي نسب للأسد، وصدر يوم الاثنين الماضي، لم يتحدث عن تفاوض مع أي جهة تتبع للمعارضة السورية، ولم يشر إلى ما وصفته الخارجية الروسية بتخليه عن السلطة وتوجيهه نقل السلطات إلى قوات المعارضة السورية، بل قال إنه خلال أحداث السيطرة على دمشق، وهربه إلى القاعدة الروسية في “جبلة” اللاذقانية، “لم يُطرح موضوع اللجوء أو التنحي من قِبَلي أو من قبل أي شخص أو جهة” دون أن يشير إلى أن موضوع “التنحي” قد طُرِح في وقت لاحق.
إشادة بـ”حكمة” عدم القتال
رواية سقوط الأسد، لدى حليفه البارز الثاني، إيران، الدولة التي تورطت معه، بسفك دماء السوريين خلال سنوات قمعه ثورة المنتفضين عليه، بإرسال ما تسميه “مستشارين” عسكريين، وإرسال ميليشيات مسلحة على مختلف الأراضي السورية المنتفضة على الأسد، كانت رواية متضاربة على مختلف الصعد، بدأت بالإشادة بما وصفته “حكمة” النظام، بعدم القتال، وانتهت بوصف ماجرى له بأنه “مؤامرة” ولأنه لم يستجب للمبادرات الدولية الداعية لإشراك معارضيه في النظام.
وفيما لم يعرف سبب تضارب الرواية الإيرانية لليلة سقوط الأسد، أو سبب سقوط نظامه، بدأت الرواية الإيرانية، بالإشادة بموقف حكومة النظام. وأشاد حسين أكبري، سفير طهران لدى نظام الأسد السابق، بقرار عدم خوض الجيش القتال، وقال إنه باعتقاده “إن القرار السوري كان حكيماً” وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” للأنباء، بتاريخ اليوم الذي سقط فيه الأسد وأعلن عن فراره من البلاد.
“خداع” الأسد وراء سقوطه
“حكمة” القرار بعدم القتال، بحسب سفير إيران لدى النظام السوري، تغيّرت تماماً، وتم إطلاق صفة مختلفة كليا، وانتقلت الحكمة، إلى “خداع”. ففي اليوم التالي لسقوط الأسد، في التاسع من الشهر الجاري، ذكرت وكالة “مهر” الإيرانية شبه الرسمية، في تقرير لها، عن تفسير ما جرى لنظام الأسد، وتحت عنوان “رواية السقوط، لماذا غادر بشار الأسد كرسي السلطة؟” بأن الأسد تعرض لما وصفته بـ”خداع” وأن هذا الخداع، بدأ بـ”ابتعاد” الأسد عن “المقاومة” نظير “وعود” بتحسن وضعه الاقتصادي، كاشفاً بأن الأسد “نأى بنفسه تدريجيا عن إيران” وزعم بأن رئيس النظام السابق، بدأ يتجه نحو “الولايات المتحدة الأميركية” ليأتي سقوطه بعدما لم تتحقق ما وصفتها بـ”الوعود الفارغة” التي قدمت له، فـ”سقط السيد الدكتور” بحسب “مهر” الإيرانية.
“عجز” الجيش يسقط رئيس النظام
ويشار إلى أن “رواية السقوط” الإيرانية، لنظام الأسد، وصفت بالاضطراب، بحسب مراقبين، فهي لم تنته إلى رواية واحدة محددة لسقوط حليفها الأبرز في المنطقة، بل تغيرت، يوما بعد يوم، ليكون سقوط الأسد، برواية سقوط إيرانية جديدة، سببه “عجز الجيش عن إيقاف التنظيمات المسلحة” تبعاً لما صرحت به، فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، في العاشر من الشهر الجاري.
“الغفلة” أطاحت بالنظام!
ويذكر أنه في اليوم الرابع لسقوط الأسد، في الحادي عشر من الجاري، شهد رواية مختلفة سردها هذه المرة، مرشد إيران، علي خامنئي، وذلك خلال لقائه في حسينية الخميني “مع مختلف فئات الشعب” بشأن “التطورات في المنطقة”. وبحسب نص كلمته المنشور على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، فإن “الغفلة” عن العدوّ، تسببت بما جرى في سوريا، من سقوط للنظام، وقال: “حادثة سوريا، تحمل لنا، الدروس والعبر. يجب أن نستلهم الدروس، أحد الدروس هو قضية الغفلة هذه، الغفلة عن العدوّ. نعم لقد تحرك العدو بسرعة، في هذه الحادثة، لكن كان ينبغي لهؤلاء، أن يعرفوا قبل الحادثة، أن هذا العدو سيتحرّك” مشيرا إلى أن جهازه الاستخباراتي، كان نقل لنظام الأسد، تقارير “تحذيرية” عن تلك التحركات، منتهيا إلى أنه كان “يجب اجتناب الغفلة عن العدو”.
“مؤامرة” إنهاء بشار الأسد
ومن الجدير بالذكر، أن وصف عدم قتال جيش الأسد، بالحكمة، ثم تسبب الخداع بسقوط النظام، ليصبح عجز الجيش سببا في سقوط الأسد، قبل أن تتسبب “الغفلة” به، تحول كله إلى وصف مختلف، وصار مؤامرة، تسببت بسقوط الأسد.
ففي يوم الثالث عشر، من الشهر الجاري، نقلت قناة “العالم” الإيرانية، عن لسان أحمد خاتمي، خطيب صلاة الجمعة في طهران، أن الوضع “الحالي في سوريا، نتيجة مؤامرة، ومخطط صهيو-أميركي” أي بعد أربعة أيام، من زعم وكالة “مهر” الإيرانية شبه الرسمية، بأن الأسد كان يتجه للاقتراب من الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه سقط ضحية “تآمرها” عليه، بحسب خطيب جمعة طهران.
لم يبد مرونة لإشراك معارضيه في السلطة
ومن ضمن جملة أسباب وضعها في سياق أسباب سقوط الأسد، صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في حوار لصحيفة “النهار” اللبنانية، في السابع عشر من الشهر الجاري، في رده على سؤال عن سبب “السقوط السريع لأحد أهم الحلفاء الإقليميين لإيران” قال عراقجي: “كان من المتوقع أن تظهر الحكومة السورية، مرونة تجاه المبادرات والاقتراحات الدبلوماسية الرامية إلى إشراك المعارضة في السلطة، وهو ما لم يحدث” بحد تأكيده.
ويعتبر سقوط الأسد، بحسب مراقبين، سقوطا لنظام إيران ونفوذها في المنطقة، وهو ما يفسر سحب عناصرها وما تبقى من ميليشياتها، فور فرار الأسد، بعد عقود من سيطرتها على نظام دمشق واستخدام البلاد كمنصة للتدخل في شؤون بلاد عربية أخرى، الأمر الذي تسبب بتناقضات رواية إيران لسقوط حليفها الأسد الهارب، حيث مُنيت بسقوطه، بخسارة فادحة استراتيجية، كما يقول محللون وخبراء في المنطقة.