الأسبوع الماضي، وعبر اكتساح الرئيس السابق دونالد ترامب منافسته نائبة الرئيس كامالا هاريس، أخبر الأمريكيون الحزب الديمقراطي أن الاقتصاد، حتى بعد التضخم “لا يعمل لصالحهم”، حسب تعبير صحيفة “واشنطن بوست”، ما دفع زعماء الحزب إلى البحث عن استراتيجية اقتصادية جديدة يمكنها عكس خسائر الناخبين من الطبقة العاملة.

وتشير الصحيفة إلى أن التحول الحاسم الذي شهدته البلاد نحو الرئيس المنتخب دونالد ترامب “لا يعكس فقط عدم الرضا عن الارتفاع الأخير في الأسعار، بل وأيضًا المخاوف العميقة بشأن انزلاق الأمن المالي”.

ولفت التقرير إلى أن “الأمريكيين يدخرون أقل مما كانوا عليه قبل الجائحة، وهم يتخلفون بشكل متزايد عن سداد قروض السيارات وبطاقات الائتمان بمعدلات لم نشهدها منذ أعقاب الركود العظيم”.

أيضًا، قال ثلاثة من كل عشرة ناخبين إنهم “متأخرون ماليًا”، بزيادة قدرها 50% عن عام 2020، وفقًا لاستطلاع أجرته “أسوشيتد برس”.

وفي الوقت نفسه، قال 8 من كل 10 أمريكيين إنهم يأملون في “تغيير كبير أو ثورة كاملة وشاملة” في كيفية إدارة البلاد.

هذا الانقسام المتزايد دفع الزعماء الديمقراطيين إلى مراجعة أنفسهم، في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2024.. “ففي غضون أيام، ألقت فصائل من الحزب الديمقراطي اللوم على منافسيها الداخليين في نتائج الثلاثاء الماضي، وقدمت مجموعة من التفسيرات المتضاربة للتقييمات الاقتصادية الضعيفة للحزب بين الناخبين”.

انتقادات كبيرة
في مواجهة احتمالات قوية بالاستبعاد من البيت الأبيض ومجلسي الكونجرس، يدفع الديمقراطيون برؤى مختلفة -وغير متوافقة- لعكس “أحد أسوأ أدائهم الانتخابي منذ سنوات”، وفق التقرير.

وتنقل “واشنطن بوست” عن بيل جالستون، الذي عمل كمساعد سياسي كبير في إدارة كلينتون: “إن إصرار العديد من المتحدثين الاقتصاديين الديمقراطيين على التضخم لم يكن مفيدًا”.

وأضاف: “لطالما اعتقدت أن بايدن كان ليكون في وضع أفضل لو اعترف مبكرًا وصريحًا بأنهم أخطأوا”.

منذ الثلاثاء الماضي، جدّدت أصوات أكثر وسطية في الحزب انتقاداتها لخطة التحفيز التي وضعها الرئيس جو بايدن لعام 2021، بحجة أنها أدت إلى تفاقم التضخم وإيذاء نائبة الرئيس كامالا هاريس حتى بعد انسحاب بايدن من السباق.

وعلى اليسار، انتقد المشرعون والاستراتيجيون بايدن لعدم تسليط الضوء بشكل أكثر عدوانية على احتكار الشركات للأسعار، وكذلك انتقدوا هاريس لما وصفوه بابتعادها عن الشعبوية الاقتصادية واحتضان المليارديرات.

وزعم بعض المشرّعين التقدميين مثل السيناتور بيرني ساندرز -مستقل عن ولاية فيرمونت- أن الديمقراطيين كان ينبغي أن يركزوا بشكل أكبر على الرسائل الشعبوية الاقتصادية، مثل توسيع مزايا الرعاية الطبية ورفع الحد الأدنى للأجور.

كما اقترحت حملة هاريس بعض الخطط السياسية العدوانية، لكن المنتقدين الليبراليين قالوا إن هذه السياسات كانت غير كافية أو مخففة في اتصالاتها العامة.

ونقلت الصحيفة عن ساندرز، الذي أشاد أيضًا بحملة هاريس وأشاد برسائلها بشأن الإجهاض والديمقراطية وعدم أهلية ترامب لمنصبه، قوله: “لقد حاولنا جاهدين القيام بذلك – أن نجعل هذه الحملة تركز أو تؤكد على أجندة اقتصادية تتحدث عن احتياجات الطبقة العاملة في هذا البلد”.

وأضاف: “الوضع الراهن يعمل بشكل جيد للغاية بالنسبة للأشخاص في القمة ولكنه لا يعمل بشكل جيد بالنسبة للعمال، وأصبح الحزب الديمقراطي مدافعًا عن الوضع الراهن أكثر من اللازم. عليك أن تعترف بالألم وواقع حياة الناس، وإلا سيقول الناس: اذهب إلى الجحيم”.

اقتصاد سيئ
رغم الهزيمة، أعرب مسؤولون في البيت الأبيض والحملة الانتخابية عن استيائهم من الانتقادات الموجهة لسياساتهم وجهودهم.

وقال جاريد بيرنشتاين، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض: “لقد حرصنا دائمًا على الاعتراف بالصراع العميق الذي تواجهه الأسر في ظل ارتفاع الأسعار. ولا أعتقد أنه يمكنك العثور على بيان رئاسي يتجاهل هذا الواقع”.

وأضاف: “أنا متأكد من أننا لم نكن مثاليين. ولكنني متأكد أيضًا من أنه لا توجد كلمات لو قلناها لكانت النتيجة مختلفة”.

لكن في الواقع، رغم أن العديد من قطاعات الاقتصاد تبدو قوية على الورق -مع وفرة الوظائف وارتفاع الأجور وانخفاض التضخم- فإن الارتفاع السريع في الأسعار دفع تكاليف الإسكان والبقالة والبنزين إلى الارتفاع بأكثر من 20% في أربع سنوات.

وتشير “واشنطن بوست” إلى أن هذه التكاليف المرتفعة على لم تؤثر الميزانيات الفورية للأمريكيين فحسب، بل غيرت أيضا وجهات نظرهم بشأن الاستقرار على المدى الطويل “وتظل ثقة المستهلك، وهي مقياس لمشاعر الأمريكيين تجاه الاقتصاد فضلا عن آفاق المستقبل، أقل بشكل ملحوظ من مستويات ما قبل الجائحة”.

وتقول سوزان هايد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، التي تدرس الانتخابات والديمقراطية: “إنها مشكلة هيكلية أطول أمدًا من مجرد بضع سنوات من التضخم. فعندما يشعر الناس بالقلق بشأن مواقعهم في الاقتصاد، فإن هذا قد يكون له عواقب وخيمة على سلوكهم الانتخابي”.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 70% من الناخبين الأمريكيين اعتبروا الاقتصاد “سيئًا” أو “ليس جيدًا”، وهو ما خلق رياحًا معاكسة واضحة لهاريس.

ومن بين الناخبين الذين صنفوا الاقتصاد سلبًا، صوّتت الأغلبية بنسبة 68% لصالح ترامب.