في واقعة مأساوية توفى طفل يُدعى محمود (5 سنوات) بعد إعطائه حقنة مضاد حيوي في أحد المستشفيات الخاصة. وفقًا لرواية والدته، فإن الطفل دخل المستشفى يشكو من ارتفاع في درجة الحرارة وآلام في اللوزتين، إلا أن الأمور انقلبت بعد إعطائه مضادًا حيويًا رغم ظهور أعراض تحسس عليه، ومع تدهور حالته أعلن الأطباء وفاته.
ومع وفاة محمود بدأت تنطلق تساؤلات عديدة بشأن تأثير المضادات الحيوية على صحة الأطفال، خاصة الحقن، وهو ما دفع «آخرساعة» لمناقشة أهمية إجراء اختبارات الحساسية قبل إعطاء أى علاج، وكيفية التعامل مع الأعراض التحسسية عند ظهورها، مع تسليط الضوء على المسئولية الطبية تجاه سلامة المرضى، خصوصًا الأطفال الذين يعتبرون أكثر عرضة للمضاعفات.
يقول الدكتور أحمد الخطيب، مدرس مساعد طب الأطفال وحديثى الولادة، إن الحساسية يمكن أن تحدث من حقنة مضاد أو من أى مادة أخرى مثل الطعام أو حتى من قرصة نحلة، وأحيانًا بدون سبب واضح (التحسس مجهول السبب). ولا يوجد أى اختبار حساسية معتمد عالميًا يُطلب قبل إعطاء أى حقنة، باستثناء البنسلين، حتى إن أجرينا اختبار حساسية لحقنة معينة وجاءت النتيجة سلبية، قد يحدث رد فعل تحسسى لاحقًا، وهو أمر نادر جدًا، خاصة مع الحقن غير البنسلين. إذا حدث ذلك، فهذا لا يعنى إلا ضرورة توخى الحذر وإعطاء الحقنة فى مكان مجهز للتعامل مع أى طارئ تحسسى، مثل المستشفيات.
ويجب أن يكون كل فرد فى الفريق الطبى ـ طبيب، ممرض، أو صيدلى ـ ملمًا بكيفية التعامل مع الصدمات التحسسية، ويكون لديه الأدوات اللازمة لذلك. فى حال حدوث صدمة تحسسية، الأعراض قد تظهر فى أجهزة متعددة بالجسم، مثل الجلد (انتفاخ وتورم)، أو الجهاز التنفسى (ضيق التنفس أو الكحة)، أو القلب (انخفاض ضغط الدم وتسارع النبض)، أو الجهاز الهضمى (قىء وإسهال).
والحل فى هذه الحالة هو تمديد المريض على الأرض ورفع ساقيه لضمان تدفق الدم إلى الدماغ، ثم إعطاء حقنة الأدرينالين فورًا فى الفخذ الأمامى، وفى حالة ضيق التنفس، يتم استخدام الأكسجين.
والأدرينالين هو عقار بالغ الأهمية، يمكنه إنقاذ الحياة في حالات الطوارئ، ويجب أن يكون أى مقدِّم للخدمة الطبية مدربًا جيدًا على كيفية إعطائه دون خوف أو تردد، فالخوف من الأدرينالين ينبغى أن يكون فقط إذا أُعطى عن طريق الوريد، أما إذا تم حقنه في العضلات، فهو من أكثر الأدوية أمانًا بالجرعات الصحيحة، والتأخير فى إعطائه عند الضرورة هو الذى يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة المريض.
أما بالنسبة للكورتيزون، فهو ليس العلاج الفورى للصدمة التحسسية لأنه يحتاج لوقت حتى يظهر تأثيره فى الجسم، ولذلك يستخدم فى الحالات الأقل حدة، ومن المهم هنا أن نكون حذرين فى التعامل مع الأعراض البسيطة، حيث إن إعطاء أدوية الحساسية قد يخفى الأعراض ويؤدى إلى دخول المريض فى صدمة دون إنذار.
ومن هنا ينصح الخطيب كل طبيب، ممرض، أو صيدلى بعدم إعطاء أى حقنة إلا بعد التأكد من وجود الأدرينالين لديه، لضمان القدرة على التعامل مع أى حالة طارئة.
◄ اعتقاد خاطئ
من جانبه، يؤكد الدكتور أمجد الحداد، رئيس قسم الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح، أن الاعتقاد بأن العلاج بالحقن حل سحرى يقضى على المرض سريعا يجب القضاء عليه، حيث إن معظم الحالات التى تُعرض على العيادات هى إصابات فيروسية فى الجهاز التنفسى ولا تتطلب مضادًا حيويًا، ومن الأفضل أن يطمئن الطبيب المريض أو ذويه ويشرح لهم أن الحالة ليست بحاجة لمضاد حيوى، رغم أن العديد من الأمهات يصررن على استخدام المضادات الحيوية، وهذا ليس القرار الصحيح.
◄ العلاج الفموي
وفى الحالات التى تستدعى بالفعل استخدام المضاد الحيوى، يكون المضاد الحيوى الفموى بالجرعة المناسبة كافيًا وفعالًا، أما إذا رأى الطبيب أن الحالة بحاجة إلى مضاد حقن، فيجب أن يتم ذلك فى المستشفى وليس فى العيادة أو الصيدلية، وذلك لأن الحقن تتطلب اختبار حساسية، وبالرغم من أن نتيجة الاختبار السلبى لا تعنى بالضرورة عدم حدوث حساسية، لذلك، يجب أن يتم الحقن فى مستشفى مجهز بخطة طوارئ، وإذا كانت النتيجة إيجابية، لن يعطى الحقن من الأساس.
يتابع: يجب العلم بأن المضادات الحيوية تضعف الجهاز المناعى وتزيد من احتمالية حدوث الحساسية، كما أنها تقتل البكتيريا النافعة فى الجهاز الهضمى التى تلعب دورًا فى دعم المناعة، والعديد من الدراسات تشير إلى أن الإفراط فى استخدام المضادات الحيوية دون داعٍ يؤدى إلى زيادة ظهور الأمراض المناعية والحساسية.
وأكد الحداد أيضًا ضرورة توفر الأدرينالين فى المستشفى قبل إجراء اختبار الحساسية أو إعطاء الحقن، لأن الكورتيزون وحده لا يكفى فى حالات صدمات الحساسية الشديدة.