بعد صدور تقرير الوظائف الأمريكي المخيب للآمال، شهدت أسواق الأسهم العالمية اضطرابًا ملحوظًا، ما أثار تكهنات واسعة بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة. ومع ذلك، يبقى من الضروري أن نتذكر أن قرارات الفيدرالي لا تعتمد على تقلبات الأسواق المالية وحدها، بل تُبنى على أساس تقييم شامل لمعدلات التضخم والنمو الاقتصادي.
يواجه الاحتياطي الفيدرالي عدة خيارات في المرحلة الراهنة. يمكن للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) أن تقرر خفضًا طارئًا لأسعار الفائدة قبل اجتماعها المقرر في سبتمبر، كما فعلت خلال أزمة كورونا في مارس 2020. أو قد تنتظر حتى اجتماع سبتمبر لتخفيض أسعار الفائدة بمقدار أكبر من المتوقع، أو قد تواصل اتباع نفس النهج الحذر دون تغيير.
من المهم إدراك أن سوق الأسهم ليست بالضرورة مرآة دقيقة لحالة الاقتصاد العامة. ففي الوقت الحالي، لا توجد مؤشرات واضحة على حدوث ركود وشيك في الولايات المتحدة. ورغم ضعف تقرير الوظائف الأخير وزيادة البطالة بشكل طفيف، أضاف الاقتصاد 114 ألف وظيفة في يوليو، وهذا يعكس مرونة في سوق العمل. من المهم أيضًا أن نلاحظ أن بيانات الوظائف متقلبة وقد تتأثر بعوامل مؤقتة، مثل العواصف أو الكوارث الطبيعية، ما يجعلها عرضة للتعديلات اللاحقة.
وعلى الرغم من أن الأسواق قد تأثرت بتقرير الوظائف، إلا أن هناك عوامل أخرى تساهم في قلق المستثمرين. فأسهم التكنولوجيا الكبرى، مثل إنفيديا وسامسونغ، شهدت تراجعًا ملحوظًا مع تساؤلات المستثمرين حول جدوى النمو المتوقع في قطاع الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، تستمر التوترات الجيوسياسية العالمية في الضغط على الأسواق، مما يزيد من حالة عدم اليقين.
قد يعتقد البعض أن هذه العوامل تضيف ضغوطًا على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد وتجنب الركود. لكن الفيدرالي يدرك أن خفض الفائدة بشكل مفاجئ قد يثير مخاوف أكثر من تهدئتها. إذ قد يُفسر ذلك على أنه إشارة إلى تشاؤم الفيدرالي بشأن المستقبل الاقتصادي، وهو ما قد يزيد من قلق الأسواق والمستثمرين.
علاوة على ذلك، تتداخل قرارات الفيدرالي في هذه الفترة مع الوضع السياسي في الولايات المتحدة، حيث تقترب الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي يعمل كهيئة غير سياسية، إلا أن أي قرار بخفض أسعار الفائدة قد يُفسر على أنه محاولة للتأثير على الانتخابات لصالح حزب أو مرشح معين.
يدرك رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وفريقه هذا السياق السياسي جيدًا، ومن المتوقع أن يتبعوا نهجًا حذرًا في قراراتهم المقبلة. التوقعات تشير إلى أن الفيدرالي قد يقوم بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر، مع احتمال تخفيضات إضافية بعد الانتخابات.
في النهاية، قد يرى المؤرخون أن الفيدرالي بقيادة باول كان بطيئًا في التفاعل مع التغيرات الاقتصادية في عام 2024، كما كان بطيئًا في تشديد السياسة النقدية لمواجهة التضخم في أواخر عام 2021. ومع ذلك، يبقى كل شيء رهنًا بالبيانات المستقبلية وكيفية تطور الأوضاع الاقتصادية.
من المؤكد أن باول سيحتاج إلى تقديم تفسيرات شاملة للسياسة النقدية المستقبلية في الاجتماع السنوي للاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول بعد بضعة أسابيع. هذا الاجتماع سيكون محطة رئيسية، حيث سيوضح الفيدرالي خططه للتعامل مع التحديات الاقتصادية في هذه المرحلة الحساسة….