الدكتور عبد الوهاب المسيري هو أحد أبرز المفكرين المصريين في العصر الحديث، وقد أثرت أفكاره وأعماله على الفكر العربي والإسلامي بشكل كبير. ولد المسيري في مدينة دمنهور بمصر عام 1938، وتخرج من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية عام 1959. استمر في دراسته الأكاديمية، حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة كولومبيا في نيويورك عام 1963، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة رتجرز بالولايات المتحدة عام 1969.
### التحول الفكري
بدأ المسيري حياته الفكرية كشاب يساري متأثرًا بالأفكار الماركسية، لكن مساره الفكري شهد تحولًا جذريًا خلال مسيرته، حيث انتقل من الإيمان بالفكر الماركسي إلى احتضان الفكر الإسلامي التوحيدي. هذا التحول لم يكن مجرد تغير في العقيدة، بل كان نتيجة لرحلة فكرية طويلة تميزت بالبحث العميق والتأمل النقدي.
### المسيري وقضية الصهيونية
من أبرز مساهمات الدكتور المسيري الفكرية هو دراسته العميقة والشاملة للصهيونية واليهودية. تعتبر موسوعته “اليهود واليهودية والصهيونية: رؤية معرفية جديدة” التي صدرت في عدة مجلدات من أهم أعماله. في هذه الموسوعة، قدم المسيري رؤية جديدة لفهم الصهيونية، حيث نظر إليها كنظام علماني شامل، محاولًا تفكيك الأساطير والأفكار المضللة المحيطة بها. اعتمد المسيري على منهج معرفي نقدي، يجمع بين التحليل التاريخي والفلسفي لفهم الصهيونية وعلاقتها باليهودية من منظور مغاير للمناهج السائدة.
### النقد الحضاري
بالإضافة إلى دراسته للصهيونية، قدم المسيري نقدًا شاملًا للحضارة الغربية الحديثة، حيث رأى أن هذه الحضارة تحمل في طياتها تناقضات جوهرية يمكن أن تؤدي إلى انهيارها. ركز المسيري في نقده على الجوانب المادية للحضارة الغربية، مشيرًا إلى أن التركيز على المادية والاستهلاكية على حساب الروحانية والقيم الإنسانية يمكن أن يؤدي إلى أزمات اجتماعية وأخلاقية. في هذا السياق، دعا المسيري إلى تبني رؤية معرفية توحيدية تكون أكثر توازنًا بين الجوانب المادية والروحية للحياة.
### الإرث الفكري
تعتبر أعمال الدكتور عبد الوهاب المسيري مرجعًا هامًا لكل من يهتم بدراسة الفكر الإسلامي المعاصر والفكر النقدي. تميزت كتاباته بالعمق والوضوح، واستطاع من خلالها أن يقدم قراءة جديدة للعديد من القضايا الفكرية والثقافية. كان المسيري أيضًا ناشطًا سياسيًا، حيث شارك في تأسيس حركة “كفاية” التي كانت من أبرز الحركات المعارضة لنظام مبارك.
توفي الدكتور عبد الوهاب المسيري في الثالث من يوليو عام 2008، ولكنه ترك إرثًا فكريًا ضخمًا يستمر في التأثير على الأجيال القادمة. يجسد المسيري بفكره وحياته نموذجًا للمثقف الملتزم الذي لم يكتفِ بالبحث الأكاديمي، بل سعى إلى توظيف معرفته في خدمة قضايا أمته والمساهمة في بناء وعي جماعي متجدد.الدكتور عبد الوهاب المسيري لم يكن مجرد مفكر عادي، بل كان ظاهرة فكرية متميزة في العالم العربي. تميزت مسيرته بالبحث الدائم عن الحقيقة والنقد البناء لكل ما هو سائد، ساعيًا إلى تقديم رؤية معرفية جديدة تكون قادرة على استيعاب تعقيدات العصر وتحدياته. ورغم مرور السنوات على وفاته، إلا أن أفكاره ما زالت حية وتواصل إلهام الكثيرين في مجال الفكر والسياسة والثقافة.
بقلم /رضوي شريف ✏️✏️📚