إن من ينظر النزاع التحكيمي ويصدر الفيصل به هو من يسمى بالمحكّم والذي يتم تعيينه بناء على الإرادة الحرة للأطراف، ويعرف المحكم على انه الشخص الذي يعهد اليه الفصل في نزاع التحكيم المعروض عليه، وقد يكون المحكم فردا او أكثر ما يشكل هيئة تحكيم وتعرف الهيئة التحكيمية على أنها هي الجهة التي يولى اليها نظر النزاع والفصل به من خلال اتباعها للإجراءات اللازمة وتطبيقها لنصوص القانون على ان تكون الهيئة مكونه من أكثر من محكم من ذوي الاختصاص.

ابتداء يجب الإشارة الى ان هناك بعض الاختلافات فيما يخص حيثيات تشكيل هيئة التحكيم حسب نوع التحكيم (الحر والمؤسسي) والذي يجب الإشارة اليه في مقالنا التالي، فالتحكيم الحر هو الذي يتمتع فيه أطراف النزاع في حرية اختيار المحكم أو هيئة التحكيم وحرية اختيار اجراءات السير في العملية التحكيمية وكل ما يخصها للفصل في النزاع، بينما التحكيم المؤسسي هو الذي يتجه فيه الاطراف الى مؤسسة تحكيمية معينة منشأة لغرض التحكيم وتطبق قواعد وإجراءات محددة موضوعة مسبقا في نظامها الداخلي بحيث تكون واجبة التطبيق بمجرد اختيار الأطراف اللجوء للتحكيم المؤسسي لحل النزاع. ان تشكيل هيئة التحكيم يتم وفق إجراءات وقواعد معينة حددها القانون وهذا ما سيتم الحديث عنه:

أولاً – كيفية اختيار المحكمين:

  • بناء على اتفاق الأطراف: وهنا تكون الإرادة الحرة للأطراف هي صاحبة الخيار في تحديد المحكم في النزاع وهذا جاء في صريح نص المادة الثامنة من قانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000 “تشكل هيئة التحكيم باتفاق الأطراف من محكم او أكثر”.
  • سلطة التعيين: في حال اتفق أطراف النزاع على تحديد جهة معينة تختص بتعيين المحكمين عند نشوء النزاع يتم اللجوء اليها لتحقيق الغرض بالتعيين.
  • المحكمة: اعطى قانون التحكيم الفلسطيني للمحاكم الصلاحية في تعيين المحكمين فيما اذ لم يتفق طرفا النزاع على ذلك بحيث يتم بناء على طلب من أحد الأطراف لتعيين المحكم أو لتعيين المحكم المرجح (بمثابة رئيس هيئة التحكيم) فيما اذا كان تم الاتفاق على نظر النزاع من قبل هيئة تحكيمية، على ان تقوم المحكمة باختيار المحكم من المحكمين المعتمدين من وزارة العدل وفق نص المادة 11 من قانون التحكيم الفلسطيني ونص المادة 6 من اللائحة التنفيذية رقم (39) لسنة 2004.

ثانياً – عدد المحكمين:

يجب ان يكون المخول بنظر النزاع هيئة تحكيمية تتكون من محكم واحد أو هيئة تحكيمية تتكون من عدد وتري من المحكمين؛ وان الغاية من العدد الوتري في تعيين المحكمين هو للترجيح فيما اذ اختلف الأطراف في القرار الفاصل وتفاديا للمشاكل التي قد تظهر عند مداولة الحكم اذ من الممكن ان ينقسم المحكمين في رأيهم في حال كان عددهم زوجيا ولا يتم ترجيح احدى الآراء في النزاع ، ويجب التنويه الى أن القرار الصادر في نزاع التحكيم اذا ما صدر من هيئة مكونة من عدد زوجي من المحكمين يكون معرضا للطعن بالبطلان.

ثالثاً – تعيين هيئة التحكيم:

اما يتفق طرفي النزاع على محكم فرد يعيّن من قبلهم بالتحكيم الحر أو من قبل الجهة المخولة اذا كان تحكيم مؤسسي، أو يتفقا على هيئة بحيث يعين كل منهما محكم من جانبه و يتفقا على تعيين المحكم المرجح، و في حال اختلفا في تعيين المحكم المرجح فللمحكمين الذين تم تعينهما اختيار المحكم المرجح وإذ لم تتساوى إرادة الأطراف او إرادة كلا المحكمين في ذلك (وينطبق أيضا في عدم الاتفاق على تعيين المحكم الفرد  ) تتولى المحكمة المختصة تعيين المحكم أو المرجح بناء على طلب يقدم من الأطراف على ان قرار المحكمة قطعي غير قابل للطعن به وجاء قرار محكمة استئناف رام الله رقم 646/2017 “قرار المحكمة بتعين محكم لا يقبل الطعن  وفق صريح نص المادة 11/2 من قانون التحكيم رقم 3 لسنة 2000″، وكذلك قرار محكمة النقض رقم 1018/2016 “اذا كان قرار تعيين محكمين لا يقبل الطعن بالاستئناف فإن قرار محكمة الاستئناف بعدم القبول لا يقبل الطعن بالنقض” ويفهم من قرار المحكمة المشار اليه ان قرار محكمة الدرجة الأولى بتعيين المحكمين قطعي لا يقبل الطعن استئنافا او نقضا وكذلك جاء قرار محكمة النقض رقم 682/2019 مؤكدا على ذلك.

إن المحكمة المختصة عادة تقبل طلب تعيين المحكم وترفضه في حال رأت ان لا وجود للاتفاق على التحكيم او ان الاتفاق على التحكيم باطلا او ان النزاع لم ينشأ بعد، وفي حال كان الاتفاق على التحكيم المؤسسي فيكون النظام الداخلي للمؤسسة التحكيمية هو من يعين هيئة التحكيم حسب المحكمين المدرجين لديها وكافة الإجراءات الأخرى.

رابعاً – تبليغ هيئة التحكيم بالمهمة التحكيمية:

عند اختيار المحكم أو المحكمين المخولين في نظر النزاع التحكيمي يتم إجراء تبليغه بذلك على أنه لا يكون ملزما باختياره للبت في النزاع وعلى المحكم أن يقبل المهمة أو يرفضها خلال المدة القانونية وهي خمسة عشر يوم من تاريخ تبليغه، وفي حال قبوله للمهمة الموكلة اليه يقوم بالرد كتابة أو من خلال توقيعه على اتفاق  التحكيم بالقبول، على أن القبول إما يصدر صراحة كما ذكر أو ضمناً من خلال قيامه بمباشرة عمله كمحكم بأي شكل من اشكال البدء، ويقع على عاتق المحكم عند قبوله مهمة التحكيم أن يفصح للأطراف عن أي ظروف أو قائع تؤثر في حياده واستقلاله مما قد يؤدي العلم بها الى عزله وهذا ما يسمى واجب الإفصاح باعتباره وجوبيا على عاتق المحكم وفق قانون التحكيم الفلسطيني وفق نص المادة 12 من القانون وسنتحدث عنه لاحقا في هذا المقال.

وفيما إذا كانت الهيئة التحكيمية مكونة من 3 محكمين فأكثر يجب أن يصدر القبول من كافة المحكمين على ان قبول أحدهم لا يغني عن قبول بقية الهيئة التحكيمية ولا يجعلها مختصة في ذلك وانه بمجرد تصريح المحكم قبوله للمهمة التحكيمية تبدأ هنا مدة سريان ميعاد التحكيم، وفي حال رفض المحكم النظر في دعوى التحكيم فانه لا أثر لذلك على اتفاق التحكيم ويتم تعيين غيره من المحكمين لنظر النزاع بذات الإجراءات التي سبق ذكرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *