بحث عن التحريض وأركانه وشروطه، يعد التحريض من أقدم الجرائم التي عرفها التاريخ الإنساني، فهي أول جريمة ارتكبها إبليس ليخرج أدم من الجنة.
وعليه فإن شخصية المحرض تشبه شخصية الشيطان في تأثيرها على ارتكاب الفرد للجريمة.
نعرض لكم في بحث عن التحريض، مفهوم التحريض وشروط التحريض وأركان الجريمة وعناصرها.
لا يشترط المساهمة في الجريمة بأداء فعل الجريمة نفسه، إنما حالة مساعدة القتل تعتبر في حد ذاتها جريمة قتل.
أما حالة التحريض التي يساهم فيها المحرض بتشجيع المجرم على ارتكاب جريمته، سواء بوضع خطة له أو بتسهيل الأمر أو بمجرد التشجيع تعد جريمة.
وتعتبر أول مرحلة لارتكاب الجريمة هي التحريض، وهنا تعتبر مشاركة ثانوية، لذلك يعاقب عليها القانون باعتبارها أحد مراحل الجريمة ولم تكن لتحدث إلا بعد أدائها.
ولكي تتحقق الجريمة فلابد من وجود مساهمة الفاعل الذي يؤدي الجانب المادي منها وتتحقق بشكل كامل، وهذا ما نناقشه في بحث عن التحريض.
المبحث الأول: ماهية وتعريف التحريض
تعد جريمة التحريض جريمة في حد ذاتها، وعليه فإن التشريعات القانونية وضعت لها شروط وأركان حالها حال جريمة السرقة أو النصب والتحريض هو تخليف لفكرة تخص الجريمة في عقل الفاعل.
إذ يسهل المحرض للفاعل الجريمة ويعطيه خطط وتمهيد لكيفية الفعل حتى يستطيع القيام بالفعل الإجرامي وما ينتج عنه.
فالتحريض هو زرع بذور الجريمة وإعطاء الفاعل فكرة عن كيفية ارتكابها والظروف التي تمهد له كيفية أدائها.
التحريض في اللغة هو دفع أو أغوى أو هيأ او حبذ، وتدل هذه المعاني على فعل التشجيع أو التحريض، يمكن أن يكون التحريض فعل مشجع للخير، لكن ما نتناوله هنا هو التحريض لفعل الشر.
أما التحريض في القانون هو التصميم على ارتكاب فعل الجريمة من خلال تهيئة الفكرة عند الفاعل للقيام بالجريمة وهو ما نستفيض عنه في بحث عن التحريض.
العنصر الأول: من هو المحرض؟
يعد المحرض الشخص الذي يدفع آخر سواء باستغلال دوافع الآخر ورؤيته النفسية للحدث أو بالنفوذ أو بالإغراء بالمال أو أساليب الإغراء الأخرى على القيام بجريمة.
العنصر الثاني: جرائم التحريض وصورها
التحريض هو نشاط الصادر، وعليه يوجد نوعان من صور التحريض، وهم:
أولًا التحريض الفردي
إن التحريض الفردي هو الذي يقع على شخص أو أكثر، ولكي يتم لابد من توافر شرطين:
أن يكون التحريض بطريقة مباشرة
أن يكون التحريض موجهًا لشخص بعينه يدفعه للقيام بفعل معين كجريمة.
مثل إغراء اللصوص للخادم بترك باب المنزل مفتوح ليستطيعوا سرقة المنزل.
ويكون التحريض هنا بدافع المال أو الخداع أو التهديد أو بالسلطة، وهي الوكالة بالمكافأة التي تمنح للفاعل بعد ارتكاب الجريمة.
كذلك يقع التحريض بدافع خوف الجاني من سلطة المحرض وعليه فإنه يعاقب كشريك في الجريمة.
على أن تكون سلطة معنوية من الآباء أو أحد أفراد العائلة أو المعلمين، أو تكون مادية مثل سلطة الرئيس على العامل وسواء كانت أي من نوعي السلطة فإن الأمر الصادر عنها نتج عنه ارتكاب الفاعل جريمة.
كذلك فإن التحريض على الضرب من صاحب المنزل لخادمه لضرب أحد الخدام الآخرين يعتبر مشاركة في الجريمة، أو أمر رئيس الشركة للعمال بضرب موظف يعد مشاركة في الجريمة.
لأنه بذلك تعدى سلطته واستخدمها في أمور غير قانونية، وبالتالي فإن طاعة المرؤوسين جاءت بسبب خوفهم من السلطة.
وهنا يجب أن يكون فعل التحريض طبقًا لما سنعرضه بالتفصيل في بحث عن التحريض تحريض مباشر بالفعل.
أما الشرط الثاني أن يكون التحريض أفضى إلى وقوع فعل وليس مجرد تحريض.
أن تكون الجريمة الواقعة حدثت نتيجة تحريض المحرض للفاعل وليست من تلقاء نفسها حتى يحدث شرط العلاقة السببية وهي من أركان الجريمة.
ثانيًا التحريض العام
هو التحريض الموجه لفئة معينة أو لجمع كبير يكونون غير معروفين لدى شخصية المحرض، وهو أشد خطورة من التحريض الفردي.
وعليه فإن القاضي يحدد شخصية المحرض ولا يهمه بالضرورة نوع التحريض لأنه حدث عنه جريمة، وهذا هو رأي القانون الأردني إلا أن القانون المصري كان له رأيًا آخر.
العنصر الثالث: عناصر جريمة التحريض
نستشف من تعريف مفهوم التحريض كما ذكرناه سابقًا في بحث عن التحريض أن الجريمة تقوم على توافر عناصر معينة، وأن أهمية التحريض في اشتراكه في ارتكاب جريمة أو جرائم أخرى.
أولًا المُحرض
هو الشخص الذي يقوم بقتل التحريض، ومن يدفع الجاني لارتكاب جريمته من خلال إغرائه أو ترهيبه، وهذه تعد النية الإجرامية الواجب توافرها في أي جريمة.
ثانيًا المحرَض
هو الشخص الفاعل للجريمة المترتبة على التحريض، وعليه فإنه يعاقب على جريمته دون النظر إلى عقاب القاضي للمحرض أم لا.
وأنه يعاقب عليها متى حدثت ولا يترتب عن ذلك عدم وجود نتيجة مثل المحرض.
ثالثًا الشأن الذي حرض ضده
أي هنا الجريمة التي حرض عليها المحرض الفاعل لارتكابها، وهنا تعني جريمة أخرى تابعة للتحريض، مثل: السرقة أو القتل أو النصب إلخ.
وعليه فإن المحرض دفع الفاعل للقيام بهذه الجريمة من خلال فكرة زرعها في فكر المحرَض.
وعليه فإن الجريمة لم تكن لتحدث ولم تكن موجودة في عقل الفاعل حتى أوجدها المحرض في ذهنه وخلق لها دوافع.
العنصر الرابع: أركان جريمة التحريض
يتعامل القانون مع التحريض على أنها جريمة مستقلة، لذلك وضع لها المشرع أركانًا ثابتة في كل الجرائم مثل أركان جريمة التحريض على القتل، ولابد من وجودها حتى تتحقق الجريمة وبالتالي العقوبة فإن الجانب القانوني هو أن يكون الفعل الذي ارتكبه المحرض أدى إلى حدوث جريمة، كذلك أن يصبح فعل المحرض جريمة في حد ذاتها.
الركن المادي لجريمة التحريض
يتكون هذا الركن من ثلاثة عناصر وهم:
- فعل الجريمة.
- السببية.
- النتيجة.
إذ يكون التحريض المباشر هو فعل المحرض وليس فعل المجرم، وبالتالي في حالة عدم وقوع الجريمة تظل جريمة التحريض قائمة بشأنها.
وبالتالي فإن العلاقة السببية هنا غير محققة، لأنها تحتاج إلى وقوع فعل ونتيجة إجرامية.
لأن جريمة التحريض تقع سواء تقبل الفاعل تحريض المحرض أم لم يتقبله، وبالتالي فإن عقابه يظل قائمًا مهما كانت نتيجة الفاعل.
ويكون الفعل المادي الخاص بالمحرض هو زرع فكرة التحريض وإقناع الفاعل بالقيام بها ورفع العزيمة لديه وتشجيعه عليها، وبالتالي فإن نشاط المحرض هو زرع الدوافع لدى المجرم للقيام بالجريمة.
لذلك يجب أن يكون التحريض خاص بفعل معين لشخص معين، أي لابد أن يحرض على قتل فلان، فهنا حددت الجريمة وهي القتل وحدد الضحية وهو فلان.
بينما التحريض على القيام بجريمة دون توضيح ماهيتها، أو التحريض على أكثر من جريمة لا يعد تحريضًا.
وبالتالي فإن التحريض لا يعاقب عليه القانون إلا لو كان بطريقة مباشرة.
بينما التحريض غير المباشر الذي يعاقب عليه القانون في حالة المنشورات التي تهدف إلى إسقاط نظام الدولة أو الحكومة، أو التحريض على القيام بتظاهرات أو القيام بأفعال عنف، مثل: حرق المنشآت.
ومن أمثلة التحريض الذي لا يعاقب عليه القانون هو التحريض على الكراهية بين الأفراد فتؤدي إلى نشوب مشاجرة ينتج عنها قتل أحد الأطراف.
وعليه فإن الجريمة التي تم التحريض عليها لابد أن تكون جريمة جنائية أو جنحة وليست مخالفة سرعة على سبيل المثال.
كذلك لابد أن يكون التحريض في بحث عن التحريض دافع قوي خلقها في عقل الفاعل، أي أن الجريمة لم تكن لتحدث لولا التحريض، أما لو كان مجرد حديث أو دعوة دون دافع لا يعد تحريضًا.
وهنا للقاضي حرية تحديد فعل التحريض في بحث عن التحريض من أي وسيلة تبعًا لسير الجريمة، على أن يكون المحرض سيطر بهذه الفكرة على عقل الفاعل.
وبهذه الطريقة يزين المحرض الجريمة للفاعل، بحيث يخلف الدوافع وربما يحدد خطة الجريمة لديه.
كذلك يمكن أن يكون التحريض على هيئة جزء من المشاعر التي تتولد لدى الفاعل، مثل: الإيماءة أو الإشارة بالحركة لتوليد دوافع لدى الفاعل.
بينما وضع قانون العقوبات بعض الشروط:
- أن يكون مباشر وحاسم.
- وجود نية إجرامية وقصد لدى المحرض.
- أن تقع الجريمة بناءً على فعل التحريض، بحيث أن التحريض خلقها.
- وقوع الجريمة التي تم التحريض عليها.
- أن يكون المحرض خالق الدافع بينما الفاعل مجرد أداة لارتكاب الجريمة.
بحيث يكون الناتج عن التحريض ارتكاب جريمة، وهو المتعارف عليه إلا أنه ليس شرطًا أساسيًا الجريمة وان مجرد المحاولة للتحريض يعتبر جريمة.
إذ أن التحريض بناءً على بحث عن التحريض قائم بذاته ولا يعتمد على رد فعل من المجرم أو وصوله لخطوة الجريمة من عدمها.
فإن المحاولة في حد ذاتها سواء بقبول الفاعل لارتكاب الجريمة أم لم يرتكبها أو حتى بدء في التنفيذ لا يسكل فارقًا في جريمة التحريض طبقًا لبحث عن التحريض.
خاصةً وأن البدء في الجريمة ثم التراجع عنها برغبة الشخص نفسه وأنها تعتبر شروعًا غير مكتمل.
بالإضافة إلى ذلك فإن جانب أن التحريض يستقل عن الجريمة التابعة له يجعل من تراجع الفاعل عن الجريمة إلزام تراجع عن عقوبة المحرض وهو الأمر الذي لا نراه في التشريعات القانونية الخاصة بالتحريض في بحث عن التحريض.
إلا أن بعض الفقهاء يرون جانبًا من التشدد في القوانين التي تشير إلى أن التحريض جريمة مستقلة عن الجريمة التابعة لها وأنهما لابد من إجماعهم في جريمة واحدة.
كذلك في فكرة أن التحريض ومحاولته لهما نفس العقوبة، وهو من شأنه جانبًا من التشدد لأن باقي الجرائم لا يساوى بين المحاولة والفعل.
القصد الجنائي لجريمة التحريض
علم وإرادة المحرض شرط جريمة التحريض، وهو قصد المحرض وعلمه أن تشجيعه وتحريضه للفاعل ينتج عنه جريمة وهي رغبته في الأساس من التحريض.
من خلال أن تكون إرادة ورغبة المحرض هي إنتاج فعل جريمة، بهدف تحفيز الفاعل لارتكاب الجريمة حتى يتحقق فعل التحريض في بحث عن التحريض.
كذلك يجب أن يوجه التحريض لشخص ليقوم بالجريمة بذاته، خاصةً وأن السؤال الذي يتردد على الأذهان هو هل يقوم التحريض في حالة تحريض شخص آخر غير الفاعل على القيام بالجريمة، إلا أن الإجابة هي لا.
وعليه فإن مساهمة شخص آخر مع الفاعل غير موجه بالتحريض لا يعد تحريضًا، كذلك فإن المساهمة الجانبية من أشخاص آخرين لا تعد تحريضًا.
الركن المعنوي لجريمة التحريض
ذكرنا سابقًا أن الفعل المادي لجريمة التحريض في بحث عن التحريض هو زرع الفكرة أو إغراء الفاعل بها أي مجرد التشجيع على ارتكاب الجريمة.
إلا أن القصد المعنوي هو نية المحرض أثناء تحريضه ومعرفته الكاملة برد فعل الفاعل على تحريضه من إمكانيته في ارتكاب جريمته.
لذلك فإن نية المحرض هي الفعل المعنوي هنا، وأنها ضرورية لقيام التحريض، بحيث يكون المحرض واعيًا بشكل كامل على جريمته ووقائعها والنتيجة عليها.
بينما في حالة أن يكون التحريض مجرد كلام ليس فيه أي قصد من المحرض فإن في هذه الحالة يقع شرط النية ولا تعتبر جريمة.
على الرغم من ذلك، إلا أن القانون لم يضع القصد المعنوي شرطًا واضحًا لجريمة التحريض، إنما فهمه فقهاء القانون ضمنيًا من تشريع المشرع لأركان التحريض وصورها وعناصرها.
إذ يكون القصد الجنائي هنا يتضمن علم المحرض بتأثير كلامه وتشجيعه وتسهيله للفعل على الفاعل.
بالإضافة إلى ذلك إمكانية خلق الفعل الإجرامي عند الفاعل والقناعة التي يصدرها للفاعل لأداء الجريمة.
وأن أي من المذكور اختفى تسقط جريمة التحريض في بحث عن التحريض.
لذلك فإن إرادة المحرض وقصده عامل أساسي يدور حوله باقي العوامل الخاصة بجريمة التحريض في بحث عن التحريض.
وأنها خطوات أولها إرادة ثانيها نية ثالثها قصد رابعها فعل معين يشجع الفاعل ويدفعه للقيام بالجريمة.
بحيث إذا كانت الكلام مجرد فضفضة أو تعبير عن حالة عقلية للمحرض أو مجرد إبراز للكراهية التي يكنها للضحية فإن القصد الجنائي الخاص بجريمة التحريض يسقط ولا تطبق عقوبة جريمة التحريض على شخص.
المبحث الثاني: بحث عن التحريض في القوانين العربية
تختلف الرؤية القانونية للقوانين العربية على جريمة التحريض، فجميعهم يتفقون على أن التحريض جريمة لها أركانها وشروطها وعناصرها، إلا أن الاختلافات في العقوبة أو في رؤيتهم لمحاولة التحريض ومدى استقلالية الجريمة.
التحريض في القانون المصري
رؤية القانون المصري للتحريض من حيث أركان الجريمة، ودور المحرض يتفق مع ما ذكرناه سابقًا في بحث عن التحريض.
إلا أن القانون المصري يرى عقوبة التحريض على القتل في مصر بتطبيق نفس عقوبة القاتل على المحرض باعتباره شريكًا فيها من حيث أنه أعطى رموز أو إشارات أو صور تشجع الفاعل على ارتكاب الجريمة.
إلا أن التحريض ضد فئة معينة والتمييز ضدها، مثل التمييز الجنسي أو التمييز الديني فإنه يعاقب بالغرامة المالية والسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.
ختامًا عرضنا في بحث عن التحريض مفهوم التحريض في اللغة وفي القانون وفكرة إنشاء فكرة الجريمة التبعية عند الفاعل، بالإضافة إلى شروط جريمة التحريض حتى يراها القانون جريمة ويطبق عليها العقوبة.
بالإضافة إلى ذلك أركان التحريض كما يراها فقهاء القانون وعناصر جريمة التحريض ورأي القوانين العربية في التحريض والعقوبة التي يتم تطبيقها.