إلتزام السريّة واجب تفرضه الإلتزامات الاخلاقية لمهنة المحاماة ذلك أن أصول هذه المهنة وتقاليدها تحتم على المحامى عدم خيانة ثقة موكله، وذلك بالمحافظة على سرية المعلومات والتفاصيل التى يحصل عليها من عميله من خلال توضيحه ملابسات القضية، وواجب المحافظة على سر المهنة بدأ واجبا أخلاقيا نابعا من تقاليد المهنة فى جميع النظم القانونية، ولكن فى كثير من الأحيان تقع الإشكالية القانونية الخاصة بمسألة “الشهادة” التى يتضمنها قانون “الإثبات” تتمثل فى أداء المحامى أو الطبيب للشهادة عن الوقائع أو المعلومات التى علم بها عن طريق مهنته، بغرض الوصول إلى الحقائق التى من المفترض أن تساعد مرفق العدالة فى تحقيق العدل والوصول إلى الحقيقة كاملة دون نقصان.
ولكن يثور سؤال هنا أليست فى هذه الشهادة إفشاءاَ لأسرار الموكل أو المريض؟.. أليست هذه المعلومات بمثابة السر الذى يجب أن يكتمه الإنسان فى نفسه؟ أو بمعنى أدق.. هل يجوز للمحامى الشهادة لصالح موكله فى الدعوى الموكل فيها؟ وذلك فى الوقت الذى يُعرف فيه “السر” بأنه كل ما يضر افشاؤه بسمعة مودعه أو كرامته بل كل ما يضر افشاؤه بالسمعة والكرامة عموما، وهنا نتطرق لمسألة “عدم جواز إفشاء المحامى للمعلومات التى يعلم بها عن طريق مهنته”، وذلك وفقًا لمواد قانونى الإثبات فى المواد المدنية والتجارية وتعديلاته، والمحاماة.
يهم الملايين.. هل يجوز للمحامى أن يُفشى أسرار موكله؟
فى التقرير التالى، يلقى الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بالإجابة على السؤال، هل يجوز للمحامى الإفشاء بأسرار موكله؟ ورأى محكمة النقض فى الأزمة، وموقف النقابة من المحامى حال إفشاء أسرار موكله، وذلك فى الوقت الذى نجد فيه الكثير من الحالات التى يقوم فيها المحامى بالإفشاد بأسرار موكله، خاصة وأن مهنة المحاماة هى من أقدم المهن وهى الساعد الأيمن الذى ينير الطريق إمام المحتاجين والمظلومين لاسترداد حقوقهم وحرياتهم، وكان لهذه المهنة بصمات وحضورا متألقا ومميزا فى نصرت المبادئ والقيم فى الدولة والمجتمع واعتبرت هذه المهنة من المصادر التشريعية الرئيسية فى اغلب المجتمعات .
وللإجابة على هذه الإشكالية –تقول الخبير القانونى والمحامى رحاب سالم – منع القانون بعض الشهود من أداء شهادتهم لاعتبارات ابتغاها، وذلك بهدف حماية أطراف هذه العلاقة دون غيرهم أبرزها مثلا علاقة المحامى بموكله أو الطبيب بمريضه حيث أن علاقة المحامى بموكله ليست سبباً لعدم سماع شهادته فى نزاع وكل فيه متى طلب منه موكله أو ورثته أداؤها، والنصوص القانونية المؤيدة:
أولا: من قانون الإثبات
1- تجرى المادة 66: لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها له مقصودا به ارتكاب جناية جنحة، ومع ذلك يجب للأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرهم إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم.
2- كما تجرى المادة 82: لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأى سبب آخر.
نقابة المحامين
ثانيا: من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983
1- تجرى المادة 65: على المحامى أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التى علم عن طريق مهنته إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة.
2- مادة 79: على المحامى أن يحتفظ بما يفضى به إليه موكله من معلومات، ما لم يطلب منه إبداءها للدفاع عن مصالحه فى الدعوى.
4 حالات محددة لإفشاء المعلومات أو الأسرار
وبحسب “سالم” فى تصريح لـ”برلماني”: إن القانون أجاز 4 حالات محددة لإفشاء المعلومات أو الأسرار التى يحصل عليها المحامى المنتدب من خلال ممارسة مهنته وهى كالتالى:
أولا: رضا صاحب السر والمعلومات، وذلك بإجازته الإفشاء للمحامى المنتدب ودون أى اعتراض منه.
ثانيا: إذا كان الغرض منع وقوع جريمة يُراد ارتكابها سواءً من قِبل صاحب السر أو المعلومات أو الغير، فيجب فى هذه الحالة على المحامى المنتدب بوصفه “مكلف بخدمة عامة” إخبار السلطات المختصة بالمعلومات المتوافرة التى تحول دون وقوع الجريمة، خاصة إذا كان الإخبار فى الوقت المناسب لمنع وقوع الجريمة.
ثالثا: إذا كان الإفشاء يؤدى إلى اكتشاف جريمة مرتكبة، وذلك بمعرفة الجانى أو الجناة أو الوصول إلى أى معلومات تفيد فى اكتشاف الحقيقة أو ما يخدم سير التحقيق، أو فى الوصول إلى معلومات تكشف خيوط الجريمة، وذلك فى الجرائم المهمة والخطرة كالجرائم الإرهابية والجريمة المنظمة والقتل والسرقة والاختلاس.
رابعا: إذا ما حدث خلاف بينه وبين المتهم المنتدب عنه، وقامت خصومة أمام القضاء فيمكن هنا المحامى إفشاء المعلومات والأسرار التى أباح له موكله أو من انتدب للدفاع عنه، إذا كانت من ضرورات الدفاع عن نفسه لقدسية حق الدفاع، وتقديمه على كتمان المعلومات وعدم إفشائها.
ووفقا لـ”سالم”: هذا الحظر على إفشاء المعلومات غير قاصر على الفترة الخاصة بالوكالة أو الانتداب للدفاع عن المتهم، بل يمتد حتى بعد ذلك إلى ما بعد الانتداب أو الإحالة على التقاعد أو زوال الصفة عنه، ومن أبرز صور حظر الإفشاء عن المعلومات والأسرار عن الموكل من قبل المحامى أو المنتدب، عدم جواز شهادة المحامى ضد موكله فى الدعوى التى هو وكيل فيها، وإذا ما دعا المحامى المنتدب للشهادة فيمكنه التزام الصمت استنادًا لواجب المحافظة على الأسرار وعدم جواز إفشائها، وكذلك إذا كان وكيلًا فى النزاع أو تمت استشارته فيه، وهذا ما نص عليه قانون المحاماة.
علاقة المحامى بموكله مثل علاقة الطبيب بالمريض
فيما، يقول الدكتور محمد صادق، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض – على المحامى أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التى علم بها عن طريق مهنته حيث أن المادة 65 من قانون المحاماة، مفادها، وجوب إدلاء المحامى بشهادته عن الوقائع التى رآها أو سمعها متى طلب منه ذلك ممن أسرها إليه، وأن هناك التزامه بالامتناع عن إفشاء ما أبلغه به موكله بسبب مهنته بغير رضائه.
من أحكام محكمة النقض – بحسب “صادق” فى تصريح خاص – أن علاقة المحامى بموكله ليست سبباً لعدم سماع شهادته فى نزاع وكل فيه متى طلب منه موكله أو ورثته أداءها، فقد سبق لمحكمة النقض أن أصدرت حكما قالت فيه أن النص فى المادة 66 من قانون الإثبات على أنه: “لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصوداً به ارتكاب جناية أو جنحة، ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم”.
المادة 65 من قانون المحاماة 17 لسنة 1983
وفى المادة 65 من قانون المحاماة 17 لسنة 1983 على أنه: “على المحامى أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التى علم بها عن طريق مهنته إذا طلب منه ذلك من أبلغها إليه، إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة”، وفى المادة 79 من القانون ذاته على أن: “على المحامى أن يحتفظ بما يفضى به إليه موكله من معلومات، ما لم يطلب منه إبداءها للدفاع عن مصالحه فى الدعوى”، وفى المادة 82 من قانون الإثبات على أنه: “لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثه أو مرض أو لأى سبب آخر” – الكلام لـ”صادق”.
كل ذلك يدل على أن المشرع أطلق حق الخصم المكلف بالإثبات فى اختيار شهوده ما لم يكن الشاهد غير قادر على التمييز، مكتفياً بأن يكون للمحكمة السلطة التامة فى تقدير قيمة كل شهادة، ولا يغير من هذا النظر أن يكون المشرع قد منع بعض الشهود من أداء الشهادة إن كان فى ذلك إخلالاً بواجب ألزمهم القانون مراعاته أو زعزعة لرابطة يحرص القانون على ثباتها أو أجاز للمستشهد بهم بالامتناع عن أداء الشهادة للاعتبارات نفسها، فذلك كله يدور فى إطار حماية أطراف هذه العلاقات دون غيرهم.
لما كان ذلك وكان الثابت بمحضر جلسة التحقيق أمام محكمة الاستئناف بتاريخ 5/4/1987 أن الطاعنين تمسكوا بسماع شهادة الأستاذ الحاضر بالجلسة والذى أبدى استعداده لأدائها، واعترض المطعون ضدهم لأن المستشهد به كان محامى مورثة الطاعنين وأقيمت الدعوى من مكتبه، فرفضت المحكمة الاستماع إلى شهادته، ولو يورد الحكم المطعون فيه فى أسبابه ما يبرر هذا القرار فإن الحكم المطعون فيه يكون قد شابه القصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن، وذلك طبقا للطعن رقم 143 لسنة 58 قضائية.
عدم الإلتزام بميثاق شرف المحاماة تصل عقوبته للشطب من النقابة
من جانبه، قال عمرو الخشاب، عضو مجلس نقابة المحامين، إن مهنة المحاماة مثل مهنة الطب والهندسة وغيرها، إلا أن انعدام الضمير صفة ترتبط بالشخص لا بالوظيفة، كما أن هناك بعض المحامين يقصّرون فى أداء مهنتهم نتيجة لظروف خارجة عن إرادتهم، ولكن هناك أخرون تكون مخالفتهم عن “قصد”، أما عن وجود ميثاق شرف فى المهنة فإن: “هناك قانون فى النقابة برقم 17 لسنة 1983 ينظم علاقة المحامى بنقابته، وينظم العلاقة بين الموكِّلين والمحامى والجهات الأخرى، ويشرح هذا القانون تفاصيل المهنة، والعمل النقابى، والعمل المهنى، وأداء المحامى، ووجباته، وحقوقه، والتزاماته، وجميع هذه الإجراءات التى يلتزمها المحامى فى أثناء تأدية رسالته ووظيفته.
وأوضح “الخشاب” فى تصريحات صحفيه: “هناك لجان شكاوى فى النقابة تنظر فى الشكاوى المقدمة، سواء من الموكلين أو من الجهات التى يتعامل معها المحامون، وهناك عقوبات تفرض على المحامى إذا أخطأ أو تجاوز فى أثناء تأدية مهنته أو قصّر فى وظيفته، ويمكن أن يشكوه أحد فيجرى التحقيق فى الشكوى، وهناك لجان تأديبية ومحاكم تأديبية تحدّد العقوبة إذا ثبتت الشكوى ضده، وهناك تقدير عقوبة مهنية بحسب نصوص مواد قانون المحاماة، تلزم المحامى أن يحافظ على الشكل اللائق بمهنته، وأن يحافظ على الأمانة، ويلتزم قسَم المحاماة، ويحافظ على أسرار موكّله، ويلتزم السلوك المحترم، الذى يرفع من شأن المهنة ورسالة المحاماة.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
وفى ذلك قضت محكمة النقض بأن: من المقرر أن المادة 65 من قانون المحاماة تنص على أنه: “على المحامى أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التى علم بها عن طريق مهنته إذا طلب منه ذلك من أبلغها إليه، إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة، وهو ما يتفق وما نصت عليه المادة 66 من القانون 25 لسنة 1968 بإصدار قانون الإثبات ومفادها أنه يجب على المحامى الشهادة بالوقائع التى رآها أو سمعها متى طلب منه ذلك ممن أسرها إليه وإنما يمتنع عليه أن يفشى بغير رضاء موكله ما عساه يكون قد أبلغه به بسبب مهنته، ومتى كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة ومدونات الحكم المطعون فيه أن المحامى الذى شهد بما علمه واتصل بسمعه بشأن واقعة تتصل بالدعوى بناء على طلب المدعين بالحقوق المدنية ودون اعتراض من المتهم الطاعن على ذلك فإن شهادته تكون بمنأى عن البطلان ويصح استناد الحكم إليها” – طبقا للطعن رقم 69622 لسنة 74 قضائية.