بعد ساعات من نشر مقطع فيديو مثير للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الدكتورة وسام شعيب، طبيبة النساء والتوليد بمستشفى كفر الدوار في محافظة البحيرة. في هذا الفيديو، الذي انتشر بسرعة وأثار موجة من الغضب، تحدثت الطبيبة عن حالات حمل سفاح وعلاقات غير شرعية تخص بعض المريضات، ما اعتبره الكثيرون خرقًا صارخًا لخصوصية المريضات وانتهاكًا لقواعد السرية الطبية.

عن واقعة طبيبة النساء.. أستاذة تفسير: «لا تحققوا الشهرة بالخوض في أعراض الناس»

الفيديو الذي بثته الطبيبة على حسابها في «فيسبوك» تناول قصصًا حساسة أثارت حفيظة المجتمع. ومن بين الحالات التي ناقشتها، كانت هناك قصة لطفلة تبلغ من العمر 14 عامًا حامل في شهرها الثامن، وأسرتها تسعى لإجهاض الجنين نتيجة علاقة غير شرعية، وحالة أخرى لسيدة متورطة في علاقة غير مشروعة وتحاول إخفاءها عبر زواج عرفي من رجل يصغرها بخمسة عشر عامًا.

اتهامات بتكدير السلم العام وجرائم الإنترنت
كشف حسن شومان المستشار القانوني أن طبيبة النساء والتوليد وسام شعيب تواجه عدة اتهامات وفقًا لقانون العقوبات بعد نشرها مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضمنت معلومات عن حياة المرضى. وأوضح شومان أن الطبيبة تواجه تهمة «تكدير السلم العام» وفقًا للمادة 188 من قانون العقوبات، حيث تُتهم بالاعتداء على قيم الأسرة والمجتمع المصري. وتصل عقوبة هذه التهمة إلى السجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، وتختص محكمة أمن الدولة العليا بالنظر في هذه القضايا.

وأضاف شومان، أن الطبيبة تواجه أيضًا اتهامًا بموجب المادة 25 من قانون مكافحة جرائم الإنترنت، نظرًا لنشرها فيديوهات عبر وسيلة إعلامية واسعة الانتشار على الإنترنت. ووفقًا لهذه المادة، تصل العقوبة إلى الحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة قدرها 50 ألف جنيه. كما أشار شومان إلى أن نقابة الأطباء والنيابة الإدارية تحققان مع الطبيبة في تهم إفشاء أسرار المرضى، ما قد يؤدي إلى قرار بشطبها من النقابة ووقفها عن العمل.

وأوضح شومان أن المادة 310 من قانون العقوبات تنص على معاقبة العاملين في الطب أو المهن ذات الصلة، في حال إفشائهم معلومات سرية حصلوا عليها بحكم عملهم، وذلك بالحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة تصل إلى خمسمائة جنيه مصري. لكنه بيّن أن هذه التهمة لا تنطبق تلقائيًا على الطبيبة، حيث إن تحريك هذه الدعوى يتطلب تقديم بلاغ رسمي من المرضى المتضررين، مشيرًا إلى أن الطبيبة لم تذكر أسماء محددة أو معلومات قد تكشف عن هويات المرضى، مما يجعل من الصعب تطبيق المادة 310 عليها دون بلاغات مباشرة من المجني عليهم.

نقابة الأطباء تعلن عن إجراءات صارمة ضد طبيبة النساء
نقابة الأطباء لم تتأخر في التحرك، حيث أعلنت عن تلقيها شكاوى عدة ضد الدكتورة وسام، متهمة إياها بالتشهير بمرضاها واستخدام ألفاظ وصور لا تليق بمهنة الطب. النقابة قررت إحالة الشكاوى إلى لجنة آداب المهنة للتحقيق في القضية، مشددة على أن مثل هذه السلوكيات الفردية قد تسيء للمهنة وتزعزع الثقة بين الأطباء ومرضاهم. وأكدت النقابة أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة إذا ثبتت مخالفات تستدعي العقوبة، التي قد تصل إلى شطب اسم الطبيبة من سجلات النقابة.

النيابة الإدارية تحقق في انتهاك حقوق المرضى
النيابة الإدارية بدورها أعلنت أنها بصدد فتح تحقيق شامل في الواقعة بناءً على تكليف من المستشار عبدالراضي صديق، رئيس هيئة النيابة الإدارية، الذي كلف وحدة شؤون المرأة وحقوق الإنسان بفحص الفيديو. وأوضحت النيابة الإدارية في بيانها أن محتوى الفيديو قد يشكل انتهاكًا لحقوق المرضى ومخالفة لقواعد مهنة الطب وأخلاقيات ممارسة المهنة.

ولم تكن ردود الفعل الإعلامية أقل حدة، حيث تناول الإعلامي عمرو أديب الواقعة في برنامجه «الحكاية»، مهاجمًا الدكتورة وسام بشدة وداعيًا إلى توقيع أقصى العقوبات عليها. وقال: «أين القسم الطبي؟ وأين النخوة والستر؟! هذه مصر، وهذه نساء مصر، ولا يمكن التساهل مع من يُسيء إليهن أو يعرض حياتهن الخاصة للعلن». وتابع أديب مؤكدًا أنه سيواصل متابعة القضية حتى تصل إلى نهايتها، وأن من ينتهك خصوصية المواطنات يجب أن ينال عقابه.

أستاذة الأزهر: الإسلام دين الحياء والستر
من جهة أخرى، أثارت الواقعة ردود فعل دينية، حيث علّقت الدكتورة هبة عوف، أستاذة التفسير بجامعة الأزهر، عبر صفحتها على فيسبوك، قائلة: «الإسلام دين الحياء والستر، ولا يجوز التحدث بألفاظ تخوض في أعراض النساء». ودعت الدكتورة عوف إلى الابتعاد عن تحقيق الشهرة عبر نشر تفاصيل حساسة لا تُعرض إلا بأسلوب يحفظ كرامة الآخرين.

ورغم الانتقادات الواسعة، حاولت الدكتورة وسام التأكيد على أن نيتها كانت نبيلة، وأنها كانت تسعى إلى توعية المجتمع وجمع تبرعات لدعم الأطفال في الحضانات الذين يحتاجون إلى الرعاية. وبررت موقفها قائلة إن تفاعل الناس الإيجابي مع الفيديو كان دافعًا لها للحديث عن ظاهرة تتزايد في المجتمع.

ومع تصاعد الضغط عليها، أعلنت الطبيبة في نهاية المطاف عن حذف الفيديو من حسابها، مؤكدة أن رسالتها وصلت إلى من يهمهم الأمر، وأنها لم تتوقع ردود الفعل الحادة التي تلقتها. لكن حذف الفيديو لم يكن كافيًا لإخماد الجدل، إذ لا تزال القضية مفتوحة تحت التحقيق، وتبقى أسئلة كثيرة حول الخط الفاصل بين التوعية وانتهاك خصوصية المرضى، وكيف يمكن معالجة هذه الظواهر الاجتماعية دون المساس بأخلاقيات المهنة وحقوق الأفراد.

من جانبها، حاولت الطبيبة وسام تبرير موقفها من خلال فيديوهات أخرى نشرتها لاحقًا. وصرحت بأنها لم تكن تهدف إلى الشهرة أو جذب الأضواء، بل إلى توعية المجتمع حول مخاطر العلاقات غير الشرعية وما يمكن أن تؤدي إليه من مشكلات اجتماعية. وقالت: «نمت وصحيت لقيت مصر كلها بتتكلم عن الفيديو.. ما كنتش بدور على تريند». وأكدت أن هدفها الأساسي كان التحذير من تزايد حالات الحمل السفاح وتوعية الأهل بأهمية الانتباه إلى تربية بناتهم.

فيما يخص الانتقادات الحادة التي وجهت إليها بسبب كشفها تفاصيل خاصة بالمرضى، أكدت الطبيبة أنها لم تذكر أي أسماء أو معلومات قد تكشف هوية المرضى، وأنها حرصت على تقديم الأمثلة كجزء من رسالة توعوية دون التورط في فضح الخصوصيات. لكن هذه التبريرات لم تلقَ قبولًا واسعًا، حيث استمرت الانتقادات من شخصيات عامة ومؤسسات عديدة، مؤكدين أن ما فعلته الطبيبة يمثل خرقًا لأخلاقيات المهنة، خاصة أن حماية خصوصية المريض تعتبر قاعدة أساسية في مهنة الطب.