يعنى إيه الحمل المستكن؟

في التقرير التالى، يلقى  الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بـ”الحمل المستكن” أو ما يُطلق عليه بـ”الحمل الراكد” أو “الحمل الراكن”، من حيث ماهيته من الناحية الطبية والتشريعية، وهل يحق للجنين التعويض المادى والأدبى، وتعريف الجنين اصطلاحا وحقوقه فى الشريعة الإسلامية، وحق الحمل المستكن والجنين فى القانون الدولى، خاصة وأن بعض التشريعات تقول بقابلية “الجنين” للحياة، ولذلك فإن اسقاط هذا الحمل أو عرقلة نموه داخل الرحم عن طريق وقف الحمل عمدا وبشتى الطرق، يعد من قبيل القتل العمدي فهو “جنين” كائن حي لا يمكن حرمانه من الحياة، وليس شيئا نتصرف فيه كيفما نشاء – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى.

في البداية – كما أن هناك تيار أول ذكرنا رأيه إلا أن هناك تيار ثانى يخالف بشدة التيار الأول فبالنسبة إليه، فالانسان لا يمكن اعتباره كذلك إلا من لحظة أن يستطيع العيش مستقلا أي خارج رحم أمه، إذن منذ لحظة أن يولد الجنين حيا وهذه اللحظة فقط هي التي تخوله اكتساب حق الشخصية، وهذا يعني أن قبل الولادة فالجنين يعتبر شيئا أو محلا و لما لا، وقد اباحت بعض القوانين وقف الحمل عمدا وسمحت بعض التشريعات بإجراء التجارب عليه باعتباره شيء، ويرتكز هذا التيار الثاني على اعتبار انه مادام الجنين لم ينفصل عن أمه، لا يمكن منحه الشخصية القانونية الحقيقية فهو شيء وربما يحضى بنوع من التقدير لأنه شيء بشري – وفقا لـ”البدوى”

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعطى له الشخصية القانونية

أما مسألة “الحمل المستكن” فهى مرحلة بدء التكوين بعد حدوث التلقيح والاستقرار فيه، حتى يبلغ الأسبوع الثامن من عمره في بطن أمه، فإن بلغ الأسبوع الـ8 يسمى حملًا، وأمكانية أن تحمل المرأة ويدوم حملها عدة سنوات وليس 9 أشهروقد كان هناك اراء فقهية شاذة كون أن الحمل من الممكن أن يدوم لأكثر من 3 سنوات، وقد حسم ابن حزم الخلاف: حيث قال : “لا يجوز أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة أشهر، لقول الله تعالى : وحملُهُ وفِصالُهُ ثلاثونَ شهراً، وقوله تعالى : والوالدات يُرْضِعْنَ أولادَهُنَّ حولَيْنِ كاملينِ لِمَنْ أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ، فمن ادعى حملاً وفصالاً في أكثر من ثلاثين شهراً فقد قال بالباطل والمُحال، وردّ كلامَ اللهِ عزَّ وجلَّ جهاراً” – الكلام لـ”البدوى”.

ثم قال رحمه الله تعالى عن الأخبار التي تروى عن نساء حملن لعدة سنين: “وكلُّ هذه أخبارٌ مكذوبةٌ راجعةٌ إلى مَنْ لا يَصْدق ولا يُعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا”، والعلم يعرف كلمة الجنين ولا يعرف أو يعترف بما يسمى “الحمل المستكن” أو مدة الحمل التى تتعدى 10 شهور فما بالك بحمل السنتين والأربع، والمفروض بداهة أن يتبعه القانون ولا يحاول مجاملة الفقهاء على حساب العلم – هكذا يقول “البدوى”

إشكاليات طول عمر الحمل

ومشكلة طول عمر الحمل يكمن فى قيل عن أقصى مدة للحمل رددته سيدات هذا الزمن، فسرن أى انقطاع للحيض بأنه حمل، وبدأن فى حسابات خاطئة بناء على هذا التفسير، فكان من الممكن أن ينقطع حيض امرأة بسبب الرضاعة سنة أو أكثر ثم تحمل أثناء هذا الانقطاع فتضيف المدة الأولى على الثانية وتتوهم أن حملها سنتان، وكذا الحمل الكاذب من الممكن أن يعطى نفس النتيجة، ففى هذا الحمل ينقطع الحيض وتحس المرأة بنفس أعراض الحمل تقريباً من قىء وتقلصات بل وانتفاخ بطن، وتفسر حركة الأمعاء على أنها حركة جنين، فإن تم الحمل الحقيقى أضافت هذه المرأة الملهوفة على الحمل مدته إلى مدة الحمل الكاذب، وأيضاً إذا ولدت المرأة طفلاً بأسنان، فسرت وترجمت هذا الحدث على أن هذا الطفل تجاوز العام داخل الرحم.

رأى القانون في الأزمة 

نص القانون المدني على: “أن يعامل الحمل المستكن في رحم المرأة معاملة الطفل المولود حيثما كان ذلك في مصلحته”، كما نص القانون رقم 15 لسنة 1929: “لا تسمع دعوى النسب لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج”، وفى القانون 131 لسنة 1948 فقرة تقول: “حقوق الحمل المستكن يعينها القانون”، وفى مرسوم بالقانون رقم 67 لسنة 1980 “الحمل المستكن أهل لثبوت الحقوق”، وفى المادة 29 من قانون الأحوال الشخصية: “على الوصى على الحمل المستكن إبلاغ النيابة العامة بانقضاء مدة الحمل”، إذن مدة الحمل غير متروكة للصدف والاحتمالات وتغير الأمزجة والأزمنة، وهكذا فإن الحمل المستكنّ يعد شخصية قانونية فيما يتصل بكل ما يخدم مصلحته، أما منح حقوق ارث فمشروط بولادته حياً، وفي الفترة التي يكون اثناءها الحمل المستكنّ حمل مستكنّا تكون له أهلية التمتع بالحقوق التي تخدم مصلحته – طبقا لـ”البدوى”.

حق الجنين فى التعويض المادى والأدبى

إذا وقع الضرر إثر حادث نتج على وفاة الأب فهل يجوز المطالبة بتعويض أم لا؟ وفى حالة الضرر المعنوى هل يكون له الحق؟

وللإجابة على هذا السؤال يقول “البدوى”: يجوز له التعويض عن الضرر المباشر مثل موت الأب نتيجة حادث أو خطأ، أما  الضرر أو التعويض المعنوى فقد أكدت محكمة النقض وأرست مبدأ مهما قالت فيه: نصت المادة 29 من القانون المدني على أن: “تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حياً، وتنتهي بموته، ومع ذلك فحقوق الحمل المستكن يعينها القانون”.

بمعنى أدق: المشرع أحال في بيان حقوق الحمل المستكن إلى القانون، وليس له من حقوق إلا ما حدده القانون وقد نظم المرسوم بالقانون رقم 119 لسنة 1952 في شأن الولاية على المال الولاية على الحمل المستكن، واثبت له قانون الجنسية الحق في اكتساب جنسية أبيه، واعترف له قانون المواريث بالحق في الإرث، كما اعترف له قانون الوصية بالحق فيما يوصى له به، أما حقه في التعويض عن الضرر الشخصي المباشر الذي يلحق به نتيجة الفعل الضار الذي يصيب مورثه قبل تمام ولادته حياً فلم يعينه القانون، وأن النص في المادة 222 من القانون المدني على أن:

“يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضاً، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق، أو طالب الدائن به أمام القضاء، ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب، ومفاده أن الشارع قصر الحق في التعويض عن الضرر الأدبي الشخصي المباشر الذي يصيب الأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية في عواطفهم وشعورهم من جراء موت المصاب على من كان من هؤلاء موجوداً على قيد الحياة في تاريخ الوفاة دون أن يتسع نطاق هذا الحق إلى من لم يكن له وجود حين الوفاة سواء كان لم يولد بعد أو كان مات قبل موت المصاب فإن أياً من هؤلاء يستحيل تصور أن يصيبه ضرر أدبي نتيجة موته.

حق الحمل المستكن والجنين فى القانون الدولى

نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي: نصت المادة (6) على: “لكل إنسان أينما وجد أن يعترف بشخصيته القانونية”، وكلمة إنسان تطلق على الطفل والجنين والرجل والمرأة، والاعتراف للجنين بالشخصية القانونية تعني الاعتراف بأهليته في التمتع بالحقوق وتميزه عن باقي الكائنات حيوانًا وجمادًا، لكن هذه الأهلية قاصرة، لم يحدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان طبيعة هذه الأهلية، كما لم تحددها مبادئ إعلان حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونصت المادة (3) على: “لكل فرد حق في الحياة والحرية وسلامته الشخصية”، وهذه المادة منحت الحق في الحياة لكل فرد، وكلمة فرد تطلق على الجنين والطفل والرجل والمرأة، والجنين في بطن أمه كائن بشري حي وهو في حاجة إلى الحماية من الاعتداء أو الهلاك.

عدم استحقاق الحمل المستكن للتعويض المطالب به قبل ميلاده واستحقاق الطفل فى المهد للتعويض  

مؤدى نص المادة 222 مدنى أنه يجوز الحكم بالتعويض للأزواج والأقارب الى الدرجة الثانية عما يصيبهم من آلم من جراء موت المصاب، ولم يشترط القانون سنا معينا للمضرور فى حالة القضاء بالتعويض ولا شك أن الطفل فى مرحلة المهد يصيبه الضرر الأدبى من جراء وفاة والده أو والدته أو أخوته لارتباطه بمن حوله من هؤلاء ومن الصعوبة فصله عنهم ويتحقق بفراقهم الألم والضرر.

ولما كان نص المادة 29 مدنى احال فى بيان حقوق الحمل المستكن الى القانون فليس له حقوق إلا ما حدده القانون وقد نظم المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952  فى شأن الولاية على المال واثبت له قانون الجنسية الحق فى اكتساب جنسية أبيه واعترف له قانون المواريث بالحق فى الإرث، أما حقه فى التعويض فلم يعينه القانون وترك امرة للقواعد العامة التى تأبى على الحمل المستكن الذى لم يولد بعد وقد انعدم ادراكه أن يكون محلا لضرر أدبى قوامة الشعور والعاطفة، طبقا للطعن رقم 7887 لسنة 74 قضائية – جلسة 23 ديسمبر 2013 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *