طوّر علماء بريطانيون طرقًا بسيطة؛ لتمكين الأشخاص في مناطق الخطر من صنع مُعدات طبية معقدة بسرعة، حيث لعب حدثان جللان دورًا حاسمًا في جهودهم لتطوير الأدوات التي يمكن أن تُسهم في علاج الأشخاص الذين يعانون من إصابات مؤلمة في الحروب أو الكوارث.
كان الحدث الأول هو الانفجار الذي دمر بيروت في 4 أغسطس 2020، عندما انفجر مخزن ضخم من نترات الأمونيوم في المدينة؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 7000. أما الحدث الثاني فهو الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال أنتوني بول، أستاذ ميكانيكا العضلات والعظام في إمبريال كوليدج لندن: “لقد تسبب انفجار بيروت والمعارك في أوكرانيا في إصابة الآلاف من الأشخاص بجروح بالغة في الأطراف وإصابات في الأشخاص الذين قد يفقدون أرجلهم وأذرعهم بدون تدخل تكنولوجي طبي عاجل”.
وفي الماضي، كان توفير هذا التدخل المُكلف والمُعقد -أثناء الصراع أو في أعقاب الكوارث الطبيعية- مشكلة كبيرة، مع ذلك، بدأ البروفيسور “بول” وزميله الدكتور مهدي سعيدي تعاونًا في عام 2016 يهدف إلى اتباع نهج جديد جذري للمشكلة، من خلال إيجاد طرق بسيطة لصنع أجهزة طبية معقدة لمساعدة أولئك الذين يعانون من إصابات كارثية ناجمة عن الكوارث الطبيعية أو الحرب.
وبدلًا من الاعتماد على الأجهزة التي يتم نقلها جوًا من الدول المتقدمة، يمكن تطوير مجموعة الأدوات وتوزيعها على السكان المحليين حتى يتمكنوا من صنع أجهزتهم الخاصة في المرائب أو المصانع باستخدام المعدات التقليدية.
وقال سعيدي لصحيفة “ذا أوبزرفر” البريطانية: “لقد ركزنا على الأجهزة المعروفة باسم المثبتات الخارجية، تُستخدم هذه عندما تقطع طلقة نارية أو انفجار لغم أو مبنى منهار عظام ساق الشخص أو ذراعه، من خلال تثبيت قطع العظام المحطمة معًا، تحصل جروح اللحم العميقة للشخص المصاب على فرصة للتعافي ويمكن إنقاذ أطرافه”.
وذكر: “الأمر الحاسم هو أن هذا لا يتم بإدخال جسم معدني في أحد الأطراف؛ لأن هذا قد يؤدي إلى التهابات خطيرة. بل يتم تثبيته خارجيًا وربطه بالعظم من خلال دبابيس يتم دفعها عبر ذراع الشخص أو ساقه.”
ومع ذلك، فإن المثبتات الخارجية معقدة ومكلفة. يمكن أن يكلف الجهاز الواحد أكثر من 2000 جنيه إسترليني وفي مناطق الصراع يصعب الوصول إليها. في بعض الأحيان يتم تصنيع المثبتات محلية الصنع ولكنها غالبًا ما تؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
وللتغلب على هذه المشكلة، أطلق بول وسعيدي مشروعهما بالتعاون مع زملاء في إمبريال وغيرها من المؤسسات الدولية، بتمويل من المعهد الوطني لبحوث الصحة والرعاية ومجلس أبحاث الهندسة والعلوم الفيزيائية.
وقال بول: “لقد صممنا طرقًا بسيطة لصنع مثبتات خارجية واختبرناها في سريلانكا. كان الأمر يبدو جيدًا. حدث انفجار بيروت وكان هناك نداء فوري لإرسال مئات المثبتات إلى هناك. لم نكن مستعدين للمساعدة في هذه المرحلة. ومع ذلك، فقد أدركت أن فكرتنا الأولية كانت صحيحة”.
ومنذ ذلك الحين، طور بول وسعيدي مجموعات من التعليمات التي يمكن استخدامها لتصنيع المثبتات بمهارات وموارد محدودة. وقال سعيدي: “كل ما هو مطلوب هو إمدادات من الألومنيوم وبعض أجسام الفولاذ المقاوم للصدأ. الأمر بسيط للغاية”.
تم الكشف عن قيمة هذا العمل في فبراير 2022. بعد تدفق القوات الروسية عبر الحدود إلى أوكرانيا، حيث عانى مئات الأشخاص من إصابات وواجهوا فقدان الأطراف دون مثبتات لإنقاذ أذرعهم وأرجلهم.
وقال بول: “تلقينا مكالمة عاجلة من أطباء محليين كانوا يائسين في طلب المساعدة وتمكنّا من توجيههم إلى موقعنا على الإنترنت، والذي كان يحتوي على تعليمات حول كيفية صنع المثبتات”.
وأضاف: “بعد يومين، أرسلت لنا ورشة عمل في شرق بولندا صورة لمثبت صنعوه للتو من مجموعة التعليمات الخاصة بنا. وفي الأيام القليلة الأولى من الحرب، تم نشر 150 منهم، وسيعملون على مساعدة المصابين جراء فقدان أرجلهم أو أذرعهم”.
ومنذ ذلك الحين، ابتكر سعيدي مجموعة أدوات لصنع المثبتات ويتم اختبارها في كينيا ورواندا؛ بهدف إتقان تقنية جاهزة للاستخدام في أي مكان في أعقاب الزلازل أو الحروب.
وقال بول: “عندما تقع أحداث مثل انفجار بيروت أو حرب أوكرانيا، تحدث زيادة مفاجئة في الإصابات الرهيبة، نحن بحاجة إلى طرق بسيطة لمساعدة الأطباء في هذه الظروف، وهذا ما يجب أن تفعله مجموعات التثبيت الخاصة بنا.”