بين حين وآخر يحاول المصريون إثبات مصريتهم بنسبة تفوق 90%، ليأكدوا للعالم أنهم أحفاد الفراعنة، وحظي تحليل جيني باهتمام كبير من جانب قطاع عريض خصوصًا من الشباب لإثبات أصولهم التي تعود إلى بُناة الحضارة والتاريخ.
البداية كانت من عند تريفينا باسيلي، وهي فتاة قبطية من مواليد مدينة طنطا بمحافظة الغربية، التي أجرت فحصًا جينيًا لتعرف أصولها، فكانت المفاجأة أنها تنتمي جينيًا ووراثيًا للمصريين القدماء من العصر الصاوي، إذ تتشابه معهم في الملامح والجينات وبنسبة تطابق كبيرة دون أي أصول أخرى.
الأمر لم يقتصر على الشاب العاديين، بل امتد ليشمل عددًا من الفنانين، في مقدمتهم النجم أشرف عبدالباقي الذي أعلن في وقت سابق إجراء تحليل جيني في الولايات المتحدة، وأثبت المعمل مصريته بنسبة تتجاوز 90%، وكذلك الفنانة رحمة حسن التي تخطت نسبة 97% كمصرية.
كيف يُجرى التحليل الجيني؟
تكثر الإعلانات التجارية لاختبار الحمض النووي في الدول الأوروبية، وتعد الشخص بإخباره من أين تنحدر عائلته إلى جانب معرفة المزيد عن خلفيته الثقافية، وتقدِّم الشركات التي توفر اختبار السلالة، مثل Ancestry و23 and Me وFamily treeDNA وHeritage تفصيلًا دقيقًا للحمض النووي لعملائها.
كل ما على الشخص الراغب في معرفة أصله، هو البصق في أنبوب اختبار صغير مملوء بالمحلول، وعادةً تتكوّن الاختبارات من مجموعة أدوات جمع اللعاب، ثم ترسل أنبوب الاختبار بالبريد إلى المختبر.
يستخرج المختبر الحمض النووي من الأنبوب ثم يتم قياس مواقع محددة ضمن المجموعة الكاملة للتعليمات الجينية، التي يشار إليها غالبًا بـ”الجينوم البشري”، باستخدام شريحة صغيرة مستطيلة تسمى “ميكروأري”.
يمكن لهذه الأداة قياس ملايين المواقع المختلفة داخل الجينوم في نفس الوقت، إذا كان الحمض النووي البشري متطابقًا تقريبًا من شخص لآخر، لكن هناك اختلافات صغيرة فريدة لكل فرد ترتبط بالظروف الصحية والنَسب وغيرها من المعلومات، وتُسمى هذه الاختلافات بـ”المتغيرات” وهي ما يتم قياسه لتحديد السلالة.
ولقياس هذه المتغيرات، تقوم الإنزيمات الكيميائية بفصل الحمض النووي المزدوج من عينة الشخص إلى خيوط مفردة ثم تقطيع الحمض النووي إلى أجزاء أصغر، ثم تدخل شظايا الحمض النووي إلى المصفوفة الدقيقة.
وتحتوي مصفوفة الحمض النووي الدقيقة على آلاف البقع ذات سلاسل DNA المفردة، بعضها عبارة عن مقتطفات من الجين الطبيعي والبعض الآخر عبارة عن متغيرات جينية محل الاهتمام.
ويرتبط الحمض النووي المأخوذ من عينة الشخص بالحمض النووي الموجود على الشريحة، وإذا كان لدى الشخص متغير محدد، فسوف يرتبط الحمض النووي الخاص به بالبقعة الموجودة على الشريحة التي تحتوي على هذا المتغير، وتحدد الشركة التي تقدم خدمة الحمض النووي بعد مقارنة ذلك بالبيانات المتوفرة لديهم باللوحة المرجعية النسب المئوية للأسلاف من كل منطقة جغرافية.
ولكن في سياق آخر، أثبتت هيئة الإذاعة الكندية أنه ليس بالضرورة أن يكون التوأم له حمض نووي متطابق إذا قاموا بالتحليل في نفس الشركة، ويمكن أن تختلف تقديرات المكان الذي عاش فيه أسلاف الفرد بشكل كبير من شركة إلى أخرى، وهو ما جعل الأمر يثير بعض الشكوك لدى المتقدمين بأن النتائج غير صحيحة بنسبة 100%.
على سبيل المثال، أخبرت شركة علم الوراثة الاستهلاكية 23andMe أحد شقيقين توائم أنه أوروبي بشكل عام بنسبة 13%، وفي الوقت نفسه، أظهر اختبار شقيقه التوأم الآخر أن لديه 3% فقط من أصول أوروبية على نطاق واسع، وكان لديه المزيد من الحمض النووي المتطابق مع مناطق أخرى أكثر تحديدًا في أوروبا.
علاوة على ذلك، عندما تم اختبار الحمض النووي للتوأم من قبل خمس شركات، أعطت كل واحدة منها نتائج مختلفة.
كتبت شركة MyHeritage، وهي شركة أخرى تقدم تحليل الأنساب: “يوفر لك اختبار الحمض النووي الخاص بنا تجربة قوية لاكتشاف ما يجعلك فريدًا ومعرفة المكان الذي أتيت منه حقًا”.
عادةً ما تكلف هذه الاختبارات الجينية ما بين 60 إلى 100 دولار، أو أكثر إذا كانت تحتوي على معلومات صحية.
وخضعت أوبرا وينفري لاختبار الحمض النووي كجزء من السلسلة الوثائقية PBS حياة الأمريكيين من أصل أفريقي، وتتبع أسلافها إلى شعب Kpelle، الذي يقيم في مرتفعات غرب أفريقيا التي أصبحت الآن جزءًا من ليبيريا وغينيا.
ووجدت وينفري أن لديها 8% من الحمض النووي الأمريكي الأصلي و3% من الحمض النووي لشرق آسيا أيضًا، قائلة: “عندما حدث لي ذلك، كان من دواعي سروري أن أعرف رحلة عائلتي بأكملها”.
والممثل والمخرج الشهير جورج كلوني يرتبط في الواقع بعلاقة بعيدة مع أحد أكثر رؤساء أمريكا إثارة للإعجاب وهو أبراهام لينكولن، إذ يرتبط أحد أسلاف كلوني الأوائل بأحد والدي لينكولن.
ومن خلال اختبار الحمض النووي، اكتشف الممثل الكوميدي لاري ديفيد، أنه لم ينحدر فقط من أسلاف يهود أوروبيين كما كان يفترض دائمًا.
شعر ديفيد بسعادة غامرة وتفاجأ عندما اكتشف أنه بنسبة 37% أمريكي أصلي، ومثل هذا الاكتشاف للتركيبة العرقية يمكن أن يكون بمثابة بوابة للعثور على المكان الذي ربما هاجر منه الأقارب القدماء ونوع الحياة التي ربما عاشوها.