سلطت صحيفة “التليجراف” البريطانية، الضوء على سباق تسلح جديد بين القوى العالمية للحصول على الأسلحة النووية التكتيكية.

وذكرت الصحيفة في تقرير لها، “أنه في حين ركزت العقيدة العسكرية الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة إلى حد كبير على القدرات التقليدية (غير النووية)، والسعي للحد من عدد الأسلحة النووية قيد الاستخدام وتقليصه، كانت روسيا تعمل على تعزيز ترسانتها بشكل مطرد بالأسلحة النووية التكتيكية، وفعلت الصين، التي تربطها شراكة “لا حدود” مع روسيا، وكوريا الشمالية الشيء نفسه”.

وحسب الصحيفة، يعتقد أن موسكو تمتلك الآن نحو 2000 سلاح من هذا النوع، وهو ما يفوق المخزونات الأمريكية بنحو عشرة إلى واحد. وهي مصممة لتدمير أهداف العدو في مناطق محددة من أجل الفوز بالمعارك، وليس لتدمير مدن بأكملها، والتسبب في انتشار الإشعاعات النووية على نطاق واسع، كما هو الحال مع الأسلحة النووية الاستراتيجية.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هدد مرارًا وتكرارًا باستخدام الأسلحة النووية، ونشر صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة، وأمر بإجراء تدريبات تحاكي استخدام مثل هذه الأسلحة. وفي الشهر الماضي، وافق بوتين على إدخال تعديلات على العقيدة النووية لموسكو، وهو ما يعني أن أي هجوم كبير على روسيا بأسلحة تقليدية قد يلبي الآن معايير الرد النووي.

وحذّرت “التليجراف” من أن مثل هذا الرد، مثل استخدام سلاح نووي تكتيكي في ساحات القتال بأوكرانيا، من شأنه أن يؤدي بدوره إلى إشعال دوامة من عمليات الإطلاق المضادة، ما يدفع العالم نحو صراع نووي شامل ونشر رؤوس حربية نووية استراتيجية مدمرة ذات قدرة تدميرية أعلى.

ونقلت الصحيفة عن هاميش دي بريتون جوردون، القائد السابق للفوج المشترك للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية في الجيش البريطاني: “إن ردعنا التقليدي لم يعد مقنعًا، لذا سنعتمد بشكل أكبر على الأسلحة النووية. وإذا ما تم استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية، فسيتم الرد عليها بنفس الرد، تصعيد فوري إلى حرب نووية عالمية ضخمة ونهاية العالم”.

وتوقعت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أن يدفع باتجاه إنتاج صواريخ جديدة مزودة برؤوس نووية، يمكن إطلاقها من السفن أو الغواصات، عندما يعود إلى البيت الأبيض، الشهر المقبل.

ولفتت إلى أن ترامب في ولايته الأولى، أنفق أموالًا طائلة في تطوير الأسلحة النووية التكتيكية والمعدات اللازمة لإطلاقها، الأمر الذي عكس عقودًا من الجهود الرامية إلى الحد من الأسلحة، ومن المتوقع أيضًا أن تشهد عودة ترامب إلى الرئاسة زيادة الضغوط الأمريكية على شركائها في أوروبا لزيادة جميع أشكال الإنفاق الدفاعي أيضًا، إذ يرى البعض أن النقص في الصواريخ النووية التكتيكية المتمركزة في القارة يمثل فجوة خطيرة في مصداقية الردع لحلف شمال الأطلسي.

وبعد أن أزالت الولايات المتحدة كل الأسلحة النووية التكتيكية تقريبًا من أوروبا بعد الحرب الباردة، أصبحت مخزوناتها النووية التكتيكية في المنطقة تتألف الآن من نحو 100 رأس حربي مثبتة على قنابل من طراز بي-61. وإذا استخدمت هذه الرؤوس، فستسقطها طائرات مقاتلة من طراز إف-35 أ، وتوجد هذه الأسلحة في قواعد جوية تابعة لحلف شمال الأطلسي في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وتركيا وهولندا.

وتمتلك واشنطن نحو 150 طائرة أخرى من طراز بي-61، تتمركز على الأراضي الأمريكية، كما تبني منشأة جديدة لتخزين الأسلحة النووية التكتيكية في قاعدة لاكنهيث الجوية الملكية في سوفولك، بتكلفة عدة مئات من ملايين الجنيهات الإسترلينية.

ومن المعتقد، وفق التليجراف، أن بعض الرؤوس الحربية التكتيكية الموجودة حاليًا في الولايات المتحدة سيتم إعادة نشرها في الموقع عند اكتماله في غضون السنوات القليلة المقبلة.

وفي أوروبا، يقول المحللون البولنديون ومجموعات الصناعة إن وارسو لم تستبعد إطلاق برنامج للأسلحة النووية التكتيكية خاص بها، بحسب الصحيفة البريطانية.

وفي الآونة الأخيرة، كان هناك بعض الحديث في كل من المملكة المتحدة وفرنسا حول ما إذا كان ينبغي نشر أسلحة نووية تكتيكية جديدة غير أمريكية في أوروبا، وما إذا كان ينبغي للبلدين – اللذان يتشاركان بالفعل في تصميم الرؤوس الحربية النووية ومرافق النمذجة – التعاون في تطوير مثل هذا الجهاز.

وأحد أسباب هذا التعاون ينبع من القلق من أنه حال حدوث أزمة دفاعية أوروبية، قد يرفض ترامب فتح المخابئ وتوزيع القنابل النووية من طراز بي-61 على القوات الجوية الأوروبية.

ولكن ليس التباين في المخزونات هو ما يثير القلق فحسب، بل إن المخاوف تتزايد بشأن كيفية نشر الأسلحة النووية التكتيكية، إذا لزم الأمر أيضًا، فقد عملت روسيا على فئات جديدة من الأسلحة النووية التكتيكية القادرة على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت، أي أكثر من 3500 ميل في الساعة/6000 كيلومتر في الساعة.

وتشير التقارير إلى أن صاروخ “أوريشنيك” الذي أطلق نوفمبر ضد أوكرانيا يطير بسرعة 10 ماخ، أو 12300 كيلومتر في الساعة، ويمكن أن يصل إلى المملكة المتحدة في نحو 10 دقائق من مواقع الإطلاق بغرب روسيا، وفي الوقت الحالي ليس لدى المملكة المتحدة أي وسيلة تقريبًا لمواجهة مثل هذه الأسلحة. وإذا كنت في بولندا أو دول البلطيق أو فنلندا، فإن أوقات التحذير من أي هجوم من هذا القبيل ستكون في دقائق معدودة. كما أن مستوى جاهزية القنابل النووية التكتيكية التي تطلقها طائرات حلف شمال الأطلسي من طراز بي-61 يتضاءل بالمقارنة بها.

وعام 2019 في أثناء محاكاة حرب متصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا، أشارت النمذجة التي أجرتها مدرسة برينستون للعلوم والأمن العالمي إلى أن ضربة تكتيكية واحدة من موسكو يمكن أن تتصاعد إلى تبادل نووي كامل في غضون ساعة، ما يؤدي إلى مقتل 44 مليون شخص.

وخلصت “التليجراف” إلى أن ما يثير القلق الآن، هو أن روسيا اكتسبت تفوقًا في المجال النووي التكتيكي، وباتت قادرة على فرض ضغوط عسكرية على حلف شمال الأطلسي لا يستطيع التحالف مواجهتها. وقد يبدو الأمر وكأن إعادة التسلح النووي في قارة أوروبا يجلب مخاطر أعظم، ولكن في واقع الأمر فإن الافتقار إلى هذه القدرة هو الذي يعرض الغرب لقدر أعظم من المخاطر.