يقصد بالرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم التحقق من قبل قاضي التنفيذ من الاختصاص غير المباشر للمحكمة التي أصدرت الحكم، ولا يقصد بهذه الرقابة مراجعة مضمون الحكم وفحصه وإنما يقصد بها تدقيق مدى توافر شرط اختصاص المحكمة المراد تنفيذ حكمها. والرقابة على مدى توافر شرط اختصاص المحكمة الأجنبية لا تتحقق إلا من خلال البحث عن القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً داخلياً خاصاً ودولياً عاماً في حسم النزاع المعروض عليها. وفيما يتعلق بالقانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل معرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة داخلياً أم لا فلا يثير جدلاً بين الفقهاء، إذ إنّ قاضي التنفيذ يفحصهُ من خلال الرجوع إلى قواعد الاختصاص المنصوص عليها في قانون تلك المحكمة، والسبب في ذلك أن مسألة الاختصاص الداخلي للمحكمة الأجنبية تخص القانون الأجنبي، ومن ثم تتعلق هذه المسألة باختصاص سيادي للمحكمة الأجنبية، وعليه فقاضي التنفيذ غير مؤهل للنظر في ذلك.
وبالمقابل فإن الرقابة على الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم يتطلب من قاضي التنفيذ التحقق من الاختصاص الدولي للمحكمة التي أصدرت الحكم. فالسؤال الذي نود أن نبحث له عن إجابة في هذا الصدد هو : هل يتحقق قاضي التنفيذ من الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة المراد تنفيذ حكمها وفقاً لقانون دولة المحكمة التي أصدرته؟ أم وفقاً لقانون دولة بدل التنفيذ؟ أم أن هناك معياراً آخراً يلجأ إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً دولياً أم لا؟ ولخصوصية هذا الموضوع في القانون المقارن فإن الأمر يقتضي منا الوقوف على مسألة القانون الذي يلجأ إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً دولياً أم لا..
لقد نصت المادة 298/1 من قانون المرافعات المصري على أنه “لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحق مما يأتي : أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها”… من خلال هذا النص يتبين لنا أن القاضي المصري إذا طُلب منه تنفيذ حكم أجنبي يجب أن يراقب اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي في قانونها، وذلك حتى يتحقق من خروج النزاع الذي صدر فيه الحكم من اختصاص المحاكم المصرية. فإذا كان النزاع الذي صدر فيه الحكم من اختصاص المحاكم المصرية فهل يُنفّذ هذا الحكم في مصر؟ في الواقع، إن الإجابة السلبية المطلقة على هذا التساؤل من شأنها أن تؤدي إلى تقليل فرصة تنفيذ الأحكام الأجنبية في مصر بدرجة كبيرة حتى ولو كان القانون المصري يشترط عدم اختصاص المحاكم المصرية كأحد شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر، ولهذا السب نجد أن أغلب الفقهاء في مصر يطالبون السماح بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من محكمة أجنبية بشأن نزاع ولو كان داخلاً في اختصاص المحاكم الوطنية بناءاً على حجج تختلف من فقيه إلى آخر.
فما دام أن النزاع قد عرض في الخارج أمام محكمة مختصة دولياً وصدر فيه حكم نهائي فمن الملائم السماح بتنفيذ هذا الحكم لدواعي التعاون بين الدول والتعامل بالمثل ومنع سيئي النية من الأفراد من تعطيل أداء العدالة. إلا أن هذا الفقيه يرى بأن المبدأ العام هو عدم جواز تنفيذ الحكم الأجنبي الصادر بشأن نزاع داخل في اختصاص المحاكم المصرية، واستثناءً على هذا المبدأ نادى بإمكانية تنفيذ الحكم الصادر في منازعة بالرغم من دخولها في إحدى حالات الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية في الحالات التالية :-
أولاً إذا كان الحكم صادراً في منازعة متولدة عن عقد أُبرم أو نُفذّ في مصر وكان واجب التنفيذ فيها ولم يكن متعلقاً بمال موجود في الإقليم المصري.
وثانياً إذا كان الحكم قد صدر في منازعة متعلقة بالأحوال الشخصية للأجانب متى كان الحكم لا يتعلق بمال موجود في مصر، وقد تعرض هذا الاستثناء إلى انتقاد الذي يقول)إن هذا الاستثناء قد أقام تفرقة غير مبررة بين الأمور السابقة ولا شك أن هذه التفرقة تفتقر بدورها إلى السند القانوني السليم، فليس من المقبول أن يقدر مدى اختصاص المحاكم الأجنبية في ضوء قواعد الاختصاص المصرية وتابع القول، فتقدير مدى اختصاص المحكمة الأجنبية يجب أن يتم وفقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي السائدة في الدولة التي تتبعها بصرف النظر عن اختصاص القضاء المصري بالدعوى من عدمه. وفي القول بغير ذلك، إهدار لمتطلبات الحياة الدولية.
حقاً أن قواعد الاختصاص القضائي الدولي يتعلق بالنظام العام في مصر، ولا يجوز من ثم الاتفاق على مخالفتها، إلا أن التقيد بهذا المبدأ مجاله تعيين المحكمة المختصة برفع الدعوى. أما وقد رفع النزاع أمام المحاكم الأجنبية رغم اختصاص القضاء المصري، وصدر بناءاً على ذلك حكم فاصل في النزاع فلم يعد هناك ما يمنع من تنفيذ هذا الحكم في مصر استجابة للاعتبارات الدولية.
يجب التفرقة بين أمرين: الأول إذا كانت المحاكم المصرية مختصة في النزاع الذي صدر فيه حكم من محكمة أجنبية اختصاصاً أصلياً أو وجوبياً (حصرياً)، فإن حكم هذه المحكمة الأجنبية لا ينفذ في مصر,,
والأمر الثاني فيتعلق باختصاص المحاكم المصرية اختصاصاً جوازياً (مشتركاً) فهذا الاختصاص الجوازي للمحاكم المصرية لا يحول دون تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر..
في الحقيقة لقد انتقدت التفرقة بين الاختصاص المصري والاختصاص المشترك بالقول بأنه لا يوجد اختصاص حصري واختصاص مشترك بين هذه المحاكم ومحاكم دولة أخرى فإما أن تكون هذه الأخيرة مختصة وإما أن تكون غير مختصة سواء كنا بصدد تعيين الاختصاص الدولي بشأن نزاع يراد رفعه أم كنا بصدد تعيين هذا الاختصاص بمناسبة حكم أجنبي يراد تنفيذه في إقليم الدولة أما فيما يتعلق بالتفرقة بين الاختصاص الأصلي والاختصاص الجوازي فإنها تقترن بالتفرقة السابقة من عدة وجوه، ثم إنه من الصعب العمل بها وخصوصاً أن المشرع في قانون المرافعات المصري الحالي قد هجر تلك التفرقة أو تناساها,,, وفيما يتعلق بالتوجه الفقهي في مصر نلاحظ أن قاضي التنفيذ المصري يراقب شروط الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في مصر وفقاً لقانون هذه المحكمة، مع إلزامه التحقق من عدم اختصاص المحاكم المصرية في نظر النزاع. إلاّ أن الأخذ بهذا الشرط الأخير على إطلاق من شأنه أن يؤدي إلى عرقلة تنفيذ الأحكام الأجنبية، ولهذا نجد أن أنصار هذا التوجه، ومن أجل التخفيف من حدة هذا الشرط، نادوا بتنفيذ الحكم الأجنبي بشرط ارتباط هذه المنازعة ارتباطاً وثيقاً بولاية المحكمة التي أصدرت الحكم…
شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر
المقصود بالحكم الأجنبي هو الحكم الذي يصدر باسم دولة أجنبية في مسألة من مسائل القانون الخاص (سواء كانت تجارية او مدنية او خاصة احوال شخصية) و ان يكون ذلك الحكم قد حسم النزاع أو جزء منه وأصبح نهائيا وفقا لقانون البلد الصادر منها الحكم.
ووفقا للقانون المصرى؛ يجوز للمحكمة الابتدائية الواقع فى دائرتها التنفيذ أن تأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إذا تحققت من توافر شرط التبادل التشريعي (المعاملة بالمثل)؛ بمعنى أن تعامل الأحكام الأجنبية فى مصر ذات المعاملة التي تعامل بها الأحكام المصرية فى البلد الاجنبى الذى أُصدر الحكم المراد تنفيذه فى مصر,, وذلك بشرط أن يتوافر فى الحكم الأجنبي الشروط الاتية:-
1-التحقق من أن محاكم مصر غير مختصة بالمنازعة التى صدر فيها الحكم وأن المحاكم الأجنبية التى اصدرته مختصة بها طبقا لقواعد الاختصاص القضائى الدولى المقررة فى قانونها.
2-أن الخصوم فى الدعوى التى صدر فيها الحكم قد كلفوا بالحضور ومثلوا تمثيلا صحيحا.
3-أن الحكم حاز قوة الأمر المقضى طبقا لقانون المحكمة التى أصدرته.
4-لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من كحاكم مصرية ولا يتضمن مل يخالف النظام العام.
ونشير هنا الى أحد القضايا التى قضت فيها المحكمة برفض الأمر بوضع الصيغة التنفيذية على الحكم الأجنبي تاسيسياً على عدم وجود اتفاقية تنفيذ أحكام معقودة بين الدولتين.
وقد تم الطعن على هذا الحكم بالنقض تأسيساً على أنه لا يشترط للأمر بوضع الصيغة وجود اتفاقية تنفيذ أحكام معقودة بين الدولتين بل يكفى وجود تبادل تشريعى (معاملة بالمثل(
ومحكمة النقض قضت بنقض الحكم المطعون فيه؛ وقالت أن المشرع اكتفى بالتبادل التشريعى( المعاملة بالمثل) ولم يشترط التبادل الدبلوماسي الذى يتقرر بنص فى معاهدة أو اتفاقية ومتى تحققت المحكمة من توافر شرط التبادل التشريعى, يتعين عليها أن تعامل الأحكام الاجنبية فى مصر ذات المعاملة التي تعامل بها الأحكام المصرية فى البلد الاجنبى الذى أصدر الحكم المراد تنفيذه فى مصر، فإذا قضى الحكم المطعون فيه بخلاف هذا النظر فانه يكون مشوبا بعيب مخالفة القانون مما يوجب نقضه لهذا السبب.
واخيرا الهدف من هذا المقال؛ أنه إذا وجدت المعاهدة بين مصر وغيرها من الدول بشأن تنفيذ الأحكام الاجنبية يتعين إعمال أحكام هذه المعاهدة باعتبارها قانون من قوانين الدولة واجبة التطبيق ولو تعارضت مع قانون المرافعات، وإذا لم توجد المعاهدة لابد أن تتحقق المحكمة من تلقاء نفسها من وجود تبادل تشريعى بين مصر والدولة مصدرة الحكم (المعاملة بالمثل(
I really like and appreciate your blog post.Really thank you! Keep writing.
we hope to always be at yours best and provide more useful information to you