تأتي زيارة المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، إلى مصر، واستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي له، 18 يناير 2025، لتعكس محورية الدور المصري الداعم لاستقرار ليبيا، والرامي للحفاظ على وحدتها وسلامتها الإقليمية، والرافض للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي، فضلًا عن الدعم المصري أيضًا لتشكيل مؤسسات الدولة الليبية، من خلال توافق القوى السياسية الليبيبة على خارطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن.
محددات ثابتة

ترتبط زيارة المشير خليفة حفتر برؤية مصر ومحدداتها لحلحلة الأزمة الليبية، التي ترتكز على العديد من الثوابت التي تشكل الانتقال الآمن للمسار الليبي أهمها:

(*) الحفاظ على وحدة الدولة الليبية: يشكل الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة الليبية أحد منطلقات الرؤية المصرية، التي تعد حجر الزاوية في توجهات السياسة الخارجية المصرية منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي، مقاليد السلطة، يونيو 2014، وتبنيه الحفاظ على وحدة الدولة العربية وصون ومؤسساتها ومقدرات شعوبها. لذلك كان التوجه المصري قائمًا بالأساس على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة الليبية. وهو ما جاء في بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية، خلال استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسي، للمشير خليفة حفتر، وتأكيده أن مصر تبذل ما في وسعها من جهود لضمان الأمن والاستقرار بليبيا، والحفاظ على سيادتها ووحدتها، واستعادة مسار التنمية بها، مؤكدًا دعم مصر لكل المبادرات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف، كما أبدى الرئيس السيسي أيضًا حرص مصر على ضمان وحدة وتماسك المؤسسات الوطنية الليبية.

(*) رفض التدخلات الخارجية في ليبيا: انتهجت مصر سياسة واضحة إزاء الأزمة الليبية فلم تكن طرفًا في أي محاور إقليمية على الساحة الليبية، واتجهت نحو خفض التصعيد بليبيا بدلًا من تأجيج الصراع مع التلويح بالردع الاستراتيجي للقوة الرشيدة عند الحاجة. وهي المعادلة التي جمدت الصراع الداخلي في ليبيا عند حدود الخط الأحمر الذي وضعته مصر -الجفرة سرت-، لذلك كان تأكيد مبادرة دول الجوار التي تبنتها مصر، وقامت على ثلاثة مبادئ، هي: احترام وحدة وسيادة ليبيا، وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، والحفاظ على استقلالها السياسي.

(*) إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة: أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله المشير خليفة حفتر -وفق بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية- ضرورة منع التدخلات الخارجية، وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية. وهو التوجه الذي لطالما طالبت به مصر ولم تفوت فرصة دون المطالبة بأولوية خروج كل القوت الأجنبية والمرتزقة من بؤر الصراع في ليبيا باعتبارهم أحد مهددات الاستقرار والتحول إزاء عملية سياسية تجمع جميع الأطراف الليبية. وتماشيًا مع ذلك التوجه استضافت القاهرة، أكتوبر 2021، اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة5+5، لبحث إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من البلاد، بمشاركة المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا بان كوبيش، وممثلين عن دول جوار ليبيا، إذ تناول الاجتماع في حينه الخطط اللازمة والآليات التي يتفق عليها من أجل مغادرة المرتزقة والمقاتلين والعناصر الأجنبية بالجنوب، ضمن الخطة العامة لخروج كل المرتزقة من ليبيا.

(*) دعم بناء المؤسسات الليبية: يشكل بناء المؤسسات الليبية أحد محددات الروية المصرية إزاء ليبيا، إذ وضع إعلان القاهرة الصادر، يونيو 2020، ركائز الاتفاق السياسي الليبي – الليبي، الذي أدى لانتخاب سلطة انتقالية موحدة، 5 فبراير 2021، تنتهي مهمتها 24 ديسمبر 2022، بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد في ظل تزايد الجدل داخل ليبيا حول البدء بوضع الدستور أم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لذلك جاء تأكيد الرئيس السيسي، خلال استقباله المشير خليفة حفتر -وفق بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية- أهمية التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لبلورة خارطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن.

(*) مكافحة الإرهاب: يشكل الإرهاب أحد التحديات التي تواجه دول الإقليم، التي تحتاج لتكاتف كل المؤسسات. وتدرك مصر خطورة الإرهاب على ليبيا باعتبارها من دول الجوار التي تُشكل امتدادًا للأمن القومي المصري. لذلك أعرب الرئيس السيسي -وفق بيان متحدث الرئاسة المصرية- عن تقدير مصر للدور الوطني الذي قام به الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب، الذي أسفر عن القضاء على التنظيمات الإرهابية بشرق ليبيا.
دلالات متعددة

تعكس زيارة المشير خليفة حفتر إلى مصر العديد من الدلالات، لعل أهمها:

(*) الثقة في الدور المصري: تعكس الزيارة في أحد أبعادها ثقة الأطراف الليبية بالدور المصري الرامي لتحقيق المصلحة الوطنية الليبية، بعيدًا عن الارتهان للمصالح الخارجية الهادفة لتوظيف الواقع الليبي في إطار لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. لذلك سعت مصر للتواصل مع جميع الأطراف اللييية الفاعلة واستضافتهم في العديد من الفعاليات منها على سبيل المثال: ملتقى القبائل الليبية، وإعلان القاهرة يونيو 2020، والمسار الدستوري، وكذلك استضافة رئيسي مجلس النواب والأعلى للدولة، 5 يناير 2023، وغيرهم، بهدف الوصول إلى حلحلة الأزمة الليبية بعيدًا عن المزايدات، وبما يؤدي إلى مساعدة الأشقاء الليبيين لتجاوز محنتهم. وهو الأمر الذي أكده المشير خليفة حفتر، خلال لقائه الرئيس عبدالفتاح السيسي -وفق بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية- إذ أكد تقديره العميق للدور المحوري الذي تلعبه مصر في استعادة الاستقرار بليبيا، والجهود التي تبذلها لدعم مساندة الأشقاء الليبيين منذ اندلاع الأزمة، في إطار العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين.

(*) الاسترشاد بالتجربة التنموية المصرية: تمتلك مصر تجربة تنموية يمكن الاستقادة منها في دول الإقليم. لذلك أشاد المشير خليفة حفتر بالدور المصري الحيوي في نقل التجربة التنموية إلى ليبيا، والاستقادة من خبرات وإمكانات الشركات المصرية العريقة في هذا المجال، مشددًا على استمرار الجهود الرامية لحلحلة الأوضاع في ليبيا بما يسهم في استعادة مقدرات الشعب الليبي وفتح آفاق الاستقرار والازدهار والرخاء.

(*) الارتباط بين استقرار ليبيا والأمن القومي المصري: يرتبط استقرار ليبيا بالأمن القومي المصري في ظل التكالب الدولي والإقليمي على ثروات ليبيا، فضلًا عن التغيرات الإقليمية، منها سقوط نظام الأسد في سوريا، وما له من تداعيات على إعادة تموضع التنظيمات الإرهابية في دول الإقليم، وكذلك إعادة تموضع للقوى الكبرى. وهو الأمر الذي يجعل من بلورة رؤية سياسية وطنية ليبية تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن دعمًا للاستقرار في ليبيا.

مجمل القول تعكس زيارة المشير خليفة حفتر إلى مصر، محورية الدور المصري الداعم لاستقرار ليبيا والمساند للحفاظ على وحدتها وسيادتها وسلامتها الإقليمية في ظل تزايد التهديدات الإقليمية والدولية، التي تحتاج إلى تكاتف كل الأطراف الليبية لمواجهتها وتجاوز الانقسامات والخلافات والاتجاه نحو بناء وطن يتسع للجميع.