إن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي حرص عليها الإسلام، وجعل الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها، وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأييد، الا أنه قد يعتري الحياة الزوجية ما يمنع من استمرارها وتحقيق المقصود منها كالنسل وقضاء الغريزة وغيرها، فيبغي أحد الزوجين على الاخر، وبما أن الطلاق يستخدمه الرجل إذا اراد، وليس ذلك للزوجة، فقد وفر الاسلام لها من سبل الحماية ما تملك به نفسها ويخلصها من ظلم الزوج ورفع الضرر الواقع عليها.
فقد شرع الله الزواج وحرم الزنا وحث على تكوين أسرة صالحة التي هي عماد المجتمع، وأمر الزوجين بالتزام حدود الله تعالى، لذلك فقد حرصت الشريعة الإسلامية على بيان أحكام العلاقات الزوجية وحدودها وضوابطها، واهتمت بها؛ لان الاسرة هي لبنة المجتمع الإسلامي قائمة على سلامة العلاقة الزوجية، فبصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد المجتمع لان أي خلل يصيب الحياة الزوجية إذا لم يعالج فسيكون سبباً في هدم الاسرة وزعزعة استقراره، لذلك فقد وضع الإسلام القواعد والاحكام الضابطة للأسرة حتى لا يبغي أحد الطرفين على الاخر وحتى لا يظلم الطرف الأضعف فيها.
وبناءً على ما سبق، إن التفريق متعدد الأنواع:
- فإما أن يكون بإرادة الزوجين.
- أو بإرادة أحدهما (الزوج أو الزوجة).
- أو يكون التفريق من القاضي (بحكم قضائي) وهو ما يعرف بالتفريق الجبري.
أما التفريق بين الزوجين للغيبة والضرر فيقع بحكم قضائي بناءً على طلب الزوجة، وهذا النوع من التفريق جاء ليرفع الضرر الواقع على الزوجة بسبب غياب الزوج عنها، والمقصود بالغيبة الرجل عن زوجته غيبة مستمرة دون انقطاع سواء أكان بعذر أو بغير عذر، سواء أكان برضاها أو بغير رضاها لمدة طويلة، وقد حددها القانون الأردني رقم 61 لسنة 1976م، والضرر هنا خشية الزوجة الفتنة على نفسها بسبب غيبته عنها، لذلك أقر الإسلام للزوجة حق رفع أمرها للقاضي طالبة التفريق من زوجها للغَيبة والضرر، وحتى لا يلحق الضرر بالزوجة فتصبح معلقة فلا هي بذات زوج ولا مطلقة، ومن خلال فترة تطبيقي في المحاكم الشرعية وجدت أنه تصدر العدد الأكبر والأكثر من بين القضايا المرفوعة أمام المحاكم الشرعية فيما يخص قضايا التفريق.
الغيبة لغة: البعد
الغيبة اصطلاحاً: انتقال الزوج الى بلد غير البلد الذي تقيم فيه الزوجة، وإقامته فيه مدة طويلة تتضرر زوجته فيها من بعده عنها وحياته معلومة وإقامة الزوج في بلد اخر قد تكون دولة أخرى او مدينة او قرية غير موطن الزوجة.
الضرر: إلحاق مفسدة بالغير.
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال (لا ضرر ولا ضرار).
مفهوم التفريق بسبب الغيبة والضرر: حق شرعي اعطى للزوجة بطلب التفريق قضاء لضرر من غياب زوجها أو هجره لها.
هل يجوز للزوجة التي غاب عنها زوجها طلب التفريق للغيبة والضرر؟
- إذا غاب الزوج عن زوجته مدة تضربها.
- تخشى على نفسها الفتنه.
- تطلب التفريق من القاضي بينها وبين زوجها.
هل تجاب الى طلبها؟
ذهب الشافعية والحنفية الى أن الغيبة والضرر لا تكون سبباً للتفريق بين الرجل وزوجته، وإن طالت؛ لعدم وجود ما يصلح سبباً للتفريق في نظرهم.
وذهب المالكية والحنابلة: الى جواز التفريق بين الزوج وزوجته للغيبة والضرر، ولو ترك لها زوجها مالاً تنفق منه، ولكنهم اختلفوا في أدنى مدة يجوز للزوجة أن تطلب التفريق بعدها.
ما هي المدة التي يجوز للزوجة أن تطلب التفريق؟
- الحنابلة: ست أشهر؛ لان عمر (رضي الله عنه) كان لا يجعل الجند يغيبون عن أزواجهم أكثر من ست أشهر؛ ولأنها أقصى ما تستطيع المرأة الصبر علية من غياب زوجها، وقد استفتى عمر في ذلك ابنته حفصة.
- وحدد المالكية في الراجح عندهم: بسنة، وقيل بثلاث سنين.
اختلفوا الفقهاء في الغيبة هل تكون بعذر أم بغير عذر؟
- ذهب الحنابلة: الى عدم جواز التفريق للغيبة الا إذا كانت بلا عذر مقبول، فإن كانت لعذر مقبول لا يجوز التفريق.
- وذهب المالكية: الى جواز التفريق بسبب الغيبة والضرر مطلقاً، سواء كانت لعذر مثل التجارة أو العلم أو لغير عذر.
شروط التفريق للغيبة والضرر؟
- المدة: أن يكون غياب زوجها عنها أو هجره لها سنه فأكثر.
- العذر: بلا عذر مقبول.
- الضرر: أي ضرر يقع على الزوجة.
- إذا كان معلوم محل الاقامة جاز لزوجة أن تطلب من القاضي تطليقها بائناً أذا تضررت من بعده عنها وهجره لها، ولو كان لها مال تستطيع الانفاق منه.
جاء في المادة (123) التفريق للغيبة والضرر من قانون الأحوال الشخصية :(اذه اثبتت الزوجة غياب زوجها عنها أو هجرها لها مدة لا تقل عن سنه فأكثر، بلا عذر مقبول، وكان معروف محل الاقامة جاز لزوجته أن تطلب من القاضي تطليقها بائناً؛ إذا تضررت من بعده عنها أو هجره لها، لا ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه)
كما جاء في المادة (124) إذا أمكن وصول رسائل الى الغائب ضرب له القاضي أجلاً، وأعذر إلية، بأنه يطلقها علية إذا لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها اليه أو يطلقها، فاذا انقضى الاجل، ولم يبدوا عذراً مقبولا ً فرق القاضي بينهما بطلقة بائنة بعد تحليفها.
المادة (125): إذا كان الزوج غائبا في مكان معلوم محل الإقامة ولا يمكن وصول الرسائل اليه، أو كان مجهول محل الاقامة، وأثبتت الزوجة دعواها بالبينة، وحلفت اليمين وفق الدعوى طلق القاضي علية بلا عذار وضرب أجل، وفي حالة عجزها عن الاثبات، أو نوكلها عن اليمين ترده الدعوى).