في ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام العالمي الراهن، تبرز منظمة “بريكس” كقوة اقتصادية وسياسية صاعدة تسعى إلى إحداث توازن جديد في المشهد الدولي.

وفي هذا السياق، يقدم ديميتري بريدجيه، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، تحليلًا شاملًا لواقع ومستقبل هذا التكتل الدولي، وكذلك التحديات التي يمكن أن تواجهه، وذلك في تصريحات خاصة لموقع “القاهرة الإخبارية”.

التحديات الاقتصادية
يؤكد بريدجيه في تحليله أن منظمة “بريكس” تمثل منصة ناشئة ذات أهمية استراتيجية في النظام الاقتصادي العالمي، مشيرًا إلى إمكاناتها الواعدة في إحداث تحول جذري في المشهد الاقتصادي الدولي، غير أن هذه الإمكانات تصطدم بتحديات جوهرية.

وفي هذا السياق، يرى الخبير الروسي أن هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي تشكل تحديًا رئيسيًا أمام طموحات بريكس، مما دفع المنظمة للتفكير في حلول بديلة، مثل مشروع “بريكس باي”، الذي يُعد أحد أهم الحلول المقترحة، كونه يهدف إلى توفير بديل عن نظام “سويفت” المالي العالمي، في خطوة قد تمثل نقطة تحول في مستقبل المعاملات المالية الدولية وتحد من تأثير العقوبات الغربية على الدول الأعضاء.

قمة قازان
وفي سياق متصل، تتجه الأنظار إلى مدينة كازان الروسية التي تستعد لاستضافة القمة السادسة عشرة لمجموعة بريكس في الفترة من 21 حتى 24 أكتوبر الجاري، ويُعد هذا الحدث الأول من نوعه بعد توسع المجموعة.

وأشار بريدجيه، في هذا الصدد، إلى أن روسيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للمجموعة في 2024، قد حددت 3 محاور رئيسية للقمة تشمل السياسة والأمن، والتعاون الاقتصادي والمالي، والتبادل الإنساني والثقافي.

وتكتسب هذه القمة أهمية استثنائية في ظل تصاعد النزاعات العالمية وتزايد استخدام الشؤون السياسية والتجارية كأدوات للضغط، إذ تسعى روسيا، من خلال رئاستها للمجموعة، إلى مواجهة تجزئة النظام التجاري متعدد الأطراف، ومقاومة الحماية التجارية المتزايدة، ومعارضة القيود التجارية أحادية الجانب، وكذلك تعزيز التنسيق على المنصات متعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة العشرين.

كما تشمل أجندة القمة تعزيز التعاون في مجالات متنوعة، مثل الصناعة والرقمنة والزراعة والأمن الغذائي والطاقة والنقل، إضافة إلى تقوية الروابط التعليمية والثقافية بين دول المجموعة.

الأبعاد السياسية والاستراتيجية
يشير بريدجيه إلى أنه على الرغم من التقدم الملحوظ في التعاون الاقتصادي والتجاري، لا تزال المنظمة بحاجة إلى استراتيجية سياسية طويلة المدى تمتد لعشر سنوات أو أكثر.

ويوضح المحلل أن دول بريكس تحاول الموازنة في علاقاتها بين روسيا والغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا، مما قد يؤثر على قدرتها على اتخاذ مواقف موحدة وفعالة تجاه القضايا الدولية.

ويشدد على ضرورة تطوير رؤية مشتركة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية لتعزيز دور المنظمة كقوة مؤثرة في النظام العالمي.

النزاعات الإقليمية
في تحليله للوضع الراهن في الشرق الأوسط، يسلط بريدجيه الضوء على عجز المؤسسات الدولية التقليدية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عن حل النزاعات المتصاعدة في المنطقة، ويشير إلى الأحداث الجارية في قطاع غزة والتوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة.

وفي هذا السياق، يبرز الدور الروسي كنموذج لإمكانات بريكس في المنطقة، حيث تسعى موسكو إلى لعب دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة، ومع ذلك، يؤكد بريدجيه أن روسيا لا تزال تحتاج الأدوات اللازمة لمنافسة النفوذ الأمريكي، رغم وجودها العسكري في سوريا ونفوذها في القارة الإفريقية وآسيا الوسطى.

نحو مستقبل أكثر فاعلية
يختتم بريدجيه تحليله برؤية مستقبلية لدور بريكس في النظام العالمي، مؤكدًا أن المنظمة يجب أن تركز على تعزيز السلام العالمي والتوسط في حل النزاعات الدولية. ويرى أن المنظمة تمتلك إمكانات كبيرة للمساهمة في حل المشكلات العالمية، بما في ذلك قضايا العقوبات الدولية والنزاعات الإقليمية، شريطة تطوير آليات فعالة للتعامل مع هذه التحديات وتوحيد الرؤى السياسية والاستراتيجية بين أعضائها.