أعلن البنك المركزي المصري، قفزة كبيرة في الاحتياطي النقدي الأجنبي بآخر تقرير شهري له، إذ حقق زيادة ملحوظة، يونيو السابق، بالمُقارنة بشهر مايو، وهو الأمر الذي يأتي مدفوعًا بالعديد من المُحفزات الاقتصادية التي تسير وفقًا لها الحكومة المصرية، ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي، فارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي مؤشر أساسي لصلابة الاقتصاديات المختلفة، كما أنه ينعكس بالإيجاب على جميع محاور الاقتصاد.

وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى توضيح أبعاد ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على انعكاسات ارتفاع هذا الاحتياطي على الاقتصاد المصري.

أبعاد مهمة

يُمكن التعرف على أبعاد ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر من خلال الآتي:

(-) ارتفاع شهري وسنوي ملحوظ: يُشير الشكل (1) إلى الارتفاع الشهري الكبير في الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى الدولة المصرية في يونيو عام 2024 مُقارنة بيوليو عام 2023، إذ ارتفع من 34.9 مليار دولار إلى 46.4 مليار دولار، أي ارتفع بنسبة 33%، كما ارتفع بنسبة 14.8% مقارنة بشهر مارس 2024، وهو ما يوضح القفزة الكبيرة في الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى الدولة المصرية، يونيو 2024، إذ إن متوسط هذا الاحتياطي بلغ 24.4 مليار دولار، خلال الفترة من 1992 إلى 2024، ليصل أعلى مستوى له في يونيو 2024، مُرتفعًا بنحو 258 مليون دولار عن مستواه مايو 2024.

وباستخدام سلسلة زمنية من عام 2010 إلى يونيو 2024، يتضح الارتفاع الكبير في صافي الاحتياطيات الدولية بشكل سنوي، فكما يوضح الشكل (2) حقق صافي الاحتياطيات الدولية أكبر ارتفاع في منتصف عام 2024، لم يتحقق في السنوات السابقة، إذ سجل 35.22 مليار دولار، ديسمبر 2023 و34.003 مليار دولار، ديسمبر 2022، وخلال الفترة من 2010 إلى 2023 تحقق أقصى قدر من صافي الاحتياطيات الدولية في عام 2019، إذ سجل 45.42 مليار دولار، وتدنى هذا الصافي بشكل كبير في عام 2012، إذ سجل 15.015 مليار دولار، وهو الأمر الذي يوضح أن صافي الاحتياطيات الدولية ارتفع بعد عام 2015، حتى حقق هذه الطفرة في منتصف 2024.

(-) مُحفزات استراتيجية: إن الاحتياطي النقدي الأجنبي دالة في العديد من المُتغيرات الاقتصادية داخل الدولة، فمن هنا فارتفاع هذا الاحتياطي يُعبر عن زيادة فعلية في هذه المُتغيرات، وهو الأمر الذي يُمكن توضيحه فيما يلي:

(&) ارتفاع قيمة الصادرات المصرية: تُعتبر الصادرات المصرية من أهم المتغيرات التي تعمل على جذب العملات الأجنبية إلى داخل الاقتصاديات المختلفة، هو ما تُركز عليه الدولة المصرية في الوقت الراهن، فمن الشكل (3) يتضح أن قيمة الصادرات المصرية ارتفعت إلى 3.567 مليار دولار، مارس 2024 مُقارنة بـ2.943 مليار دولار، سبتمبر 2023، أي ارتفعت بنسبة 21.2%، كما أنه وفقًا لآخر تقرير للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، فقد ارتفعت الصادرات السلعية في مصر إلى 16.551 مليار دولار، خلال الخمسة أشهر الأولى في عام 2024، مُقارنة بـ15.74 مليار دولار، خلال نفس الفترة من عام 2023، أي ارتفعت بنسبة 9.8%، وبمقدار 1.477 مليار دولار، وبالإضافة إلى ذلك حققت الصادرات السلعية 3.5 مليار دولار، مايو 2024، وهو أعلى معدل تُحققه الصادرات المصرية في شهر.

وتوضيحًا للقطاعات التي حققت طفرة تصديرية، يُمكن الإشارة إلى تصدر مواد البناء بقيمة 3.869 مليار دولار، والصناعات الغذائية بقيمة 2.644 مليار دولار، والمنتجات الكيماوية والأسمدة بقيمة 2.491 مليار دولار، والحاصلات الزراعية بقيمة 2.269 مليار دولار، والسلع الهندسية والإلكترونية بقيمة 2.181 مليار دولار، والملابس الجاهزة بقيمة 1.77 مليار دولار، والمفروشات والغزل والمنسوجات بقيمة 717 مليون دولار، ومنتجات الطباعة والكتب والورق والتغليف والمصنفات الفنية بقيمة 393 مليون دولار، والصناعات الطبية بقيمة 267 مليون دولار، والأثاث بقيمة 112 مليون دولار، والصناعات اليدوية بقيمة 87 مليون دولار، والجلود والأحذية والمنتجات الجلدية بقيمة 49 مليون دولار.

(&) ارتفاع إيرادات السياحة: تشهد الدولة المصرية توافد عدد كبير من السائحين، إذ بلغ عددهم 14.91 مليون سائح في عام 2023، مُحققًا ارتفاع قدره 27.4%، وهو الأمر الذي ترتب عليه المسار التصاعدي لإيرادات السياحة المصرية، الذي يُشير إليه الشكل (4)، إذ ارتفعت من 4.9 مليار دولار في عام 2021 إلى 13.6 مليار دولار في عام 2023، أي ارتفعت بنسبة 177.6%، وفي النصف الأول من عام 2024 استقبلت الدولة المصرية 7.069 مليون سائح، الأمر الذي ترتب عليه زيادة عدد الليالي السياحية، ما حقق إيرادات قياسية بقيمة 6.6 مليار دولار، فارتفاع عوائد السياحة بهذه القيم الكبيرة، يُحقق ارتفاعًا ملحوظًا في الاحتياطيات النقدية الأجنبية.

ومن المتوقع، أن ترتفع إيرادات السياحة خلال الفترات المقبلة، كنتيجة للشراكات الاستثمارية التي وقعتها الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة، خاصة مشروع رأس الحكمة، وما سيترتب عليه من تطوير الساحل الشمالي، وصفقة الشراكة مع مجموعة طلعت مصطفى، التي سيترتب عليها إنشاء مشروع عالمي على مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية في البحر المتوسط، وهو الأمر الذي سيستقطب سائحين من الشرائح الأكثر إنفاقًا في الدول الغربية.

(&) ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج: تُسهم تحويلات المصريين بالخارج في زيادة العوائد الدولارية للاقتصاد بشكل كبير، فوفقًا للشكل (5) يتضح أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت من 1.6 مليار دولار في مايو 2023 إلى 2.7 مليار دولار، مايو 2024، أي ارتفعت بنسبة 68.75%، وهو الأمر الذي يرجع إلى الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة المصرية، مارس 2024، الخاصة بتحرير سعر الصرف، ورفع أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة، ومن هنا يُمكن القول إن ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج يُمثل إضافة كبيرة للاحتياطي النقدي الأجنبي، ويعمل على ارتفاعه.

انعكاسات إيجابية

إن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي يُحقق العديد من الانعكاسات الاقتصادية الإيجابية، التي تتمثل في الآتي:

(-) تحقيق استقرار سعر الصرف: إن سياسة الدولة المصرية في التحول نحو آليات السوق في تحديد سعر صرف العملة الوطنية، يحتاج إلى غطاء نقدي يُحقق نجاح هذه السياسة، إذ إن وجود احتياطي كبير من العملات الأجنبية يُمكن البنك المركزي المصري من السيطرة على سوق الصرف، ومنع التشوهات التي تحدُث فيه، خاصة السوق الموازية، إذ تُمكن الاحتياطات الأجنبية المرتفعة البنك المركزي في إزالة الزيادة في الطلب على العملة الأجنبية، من خلال دخوله السوق كبائع للعملة، وهو الأمر الذي يُحقق التقارب بين السعر الرسمي للعملة والسعر الموازي.

(-) الوفاء بالالتزامات الدولية: ينعكس ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر على زيادة قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، إذ إنه نظرًا لأن الديون الخارجية مقومة بالدولار، فزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي من العملات الأجنبية، يجعل الدولة المصرية في حالة تصنيف ائتماني جيدة في أوساط المؤسسات التمويلية الدولية، فالاحتياطي النقدي الأجنبي يُعد من المؤشرات المهمة التي تعتد بها هذه المؤسسات عند تقييم مخاطر الدول، ولما كان عملية التنمية الاقتصادية تتطلب تمويلًا دوليًا مُناسبًا، فإن ارتفاع التصنيف الائتماني للدولة المصرية سيخدم هدف التنمية بشكل كبير.

(-) زيادة الثقة في الاقتصاد المصري: ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي داخل الدولة يُعد مؤشرًا قويًا أن اقتصاد الدولة يسير في المسار الصحيح، وهو الأمر الذي يجذب المستثمرين إلى الدولة، إذ إن ارتفاع الاحتياطيات الدولية يُعد أحد العوامل الأساسية للتأمين ضد الصدمات الخارجية، ما يجعل الاقتصاد المصري مرنًا بدرجة كبيرة، وهو الأمر الذي يُركز عليه المستثمرون قبل اتخاذ قرار الاستثمار داخل الدولة.

(-) رفع معدلات النمو الاقتصادي: إن تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة داخل الدولة، تتطلب الإنفاق الكبير على المشروعات الإنتاجية، الأمر الذي يحتاج إلى قدر كبير من النقد الأجنبي، فتوفير هذا النقد يعمل على زيادة كفاءة القطاعات الإنتاجية المختلفة في الاقتصاد، خاصة قطاع الزراعة والصناعة، ما يرفع مساهمتهم في الاقتصاد المصري، ويتحقق الاكتفاء الذاتي من السلع والخدمات، الأمر الذي يُقلل الواردات ويزيد من الصادرات، ومن ثم يُخفف الضغط على ميزان المدفوعات المصري،

وعليه، يُمكن القول إن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي داخل الدولة يُمثل رسالة ثقة للعالم أجمع في الاقتصاد المصري، وأنه قادر على تحمُل الصدمات بشكل كبير، كما يزيد من التوقعات المُستقبلية الإيجابية التي يُشكلها المصريون عن اقتصادهم، فارتفاع الاحتياطيات الدولية جاء نتيجة ارتفاع العديد من المؤشرات الاقتصادية، التي تُشير إلى صحة الاقتصاد المصري، وهو ما سيترتب عليه عوائد اقتصادية إيجابية كبيرة في المُستقبل القريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *