الجريمة التحريضية هى التي يكون ذهن المتهم خاليا منها ويكون هو بريئا من التفكير فيها ثم يحرضه المبلغ أو الشاهد بأن يدفعه دفعا إلى ارتكابها، فتتأثر إرادته بهذا التحريض، فيقوم بمقارفة الجريمة كنتيجة مباشرة لهذا التحريض وحده، فتحريض شخص على ارتكاب جريمة هو إيجاد نية إجرامية حاسمة لديه، بعد أن لم يكن لهذه النية وجود في نفسه أصلا، أو مجرد محاولة أيجاد تلك النية، فالتحريض يقتضى قيام شخص بخلق فكرة إجرامية يتفتق عنها دماغه الآثم لدى شخص أخر، ثم تقوية التصميم على ارتكابها لديه، مثله في ذلك قول الله سبحانه وتعالى: “كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”.

ويعتبر التحريض من أخطر صور النشاط الإجرامى، لأن المحرض غالبا ما يكون هو المدبر لإرتكاب الجريمة المخطط لها والمسئول الرئيسى عن تنفيذها، وهذا ما دعا بعض التشريعات إلى أخراج التحريض من نطاق المساهمة الجنائية، والنص عليه بصفة مستقلة، واعتبار المحرض في حكم الفاعل، ولو امعنا النظر في المحرض لما أمكن وصفه بأنه فاعل للجريمة، لأنه لا يساهم في تنفيذها، كما لا يسوغ القول بأن نشاط المحرض تبعى بالنسبة لنشاط فاعل الجريمة الأصلى، لأن هذا المحرض هو الذى يخلق التصميم الإجرامى في ذهن الفاعل.

التحريض على ارتكاب الجريمة.. جريمة

في التقرير التالى، يلقى الضوء على إشكالية التحريض على ارتكاب الجريمة، وذلك في الوقت الذى تكون فيه الكثير من القضايا الجنائية من المتهمين يعتصر آلما وحزنا ويدعى بأنه لم يرتكب الجريمة محل الإتهام، ولم يقم بأى دور فيها، وعندما يطلع محاميه على القضية يجد أن هذا الشخص متهم بتحريض فاعل الجريمة الأصلى على ارتكاب تلك الجريمة، فكثير من الناس لا يعلم أن التحريض على إرتكاب الجريمة هو أيضا جريمة وفقا لأحكام قانون العقوبات المصري، لأن التحريض على إرتكاب الجريمة هو عبارة عن خلق فكرتها في ذهن المحرض، وتوجيه ارادته إلى إرتكابها، ودفعه إلى ذلك بوسائل التأثير – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض رحاب سالم.

في البداية – جريمة التحريض على ارتكاب الجريمة هو إيعاز يتضمن خلق التصميم على ارتكاب جريمة لدى شخص أخر بنية دفعه إلى تنفيذها، أو مجرد محاولة خلق التصميم عنده، ويعد محرض كل من شجع، أو دفع، أو رهب أو حاول على تشجيع، أو دفع أو إرهاب شخص وبأى وسيلة كانت على ارتكاب الجريمة، فقد نص قانون العقوبات على عقاب المحرض فى المادة 40 يعد شريكًا فى الجريمة: أولاً : كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض  – وفقا لـ”سالم”.

المشرع جعل عقوبة المُحرض على ارتكاب جريمة نفس العقوبة المقررة لفاعلها الأصلى

ليس هذا فحسب بل أن القانون جعل عقوبة المحرض على ارتكاب الجريمة نفس العقوبة المقررة لفاعل الجريمة، فقد نص فى المادة 41 من اشترك فى جريمة فعلية عقوبتها إلا ما استثنى قانونا بنص خاص، بل فى بعض الأحيان قد تصل عقوبة التحريض إلى الإعدام أو المؤبد فقد نص القانون فى المادة 235 المشاركون فى القتل الذى يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام يعاقبون بالإعدام أو بالسجن المؤبد – الكلام للخبير القانوني.

وقد وردت صور التحريض على ارتكاب الجرائم فى المادة (171) قانون العقوبات: “كل من حرض واحدا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح أو جهر به علناً أو بفعل أو إيماء صدر منه علنا أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكا في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب علي هذا التحريض وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل”، أما إذا ترتبت علي التحريض مجرد الشروع في الجريمة فيطبق القاضى الأحكام القانونية في العقاب علي الشروع – هكذا تقول “سالم”.

تصل عقوبة التحريض للإعدام أو المؤبد

ويعتبر القول أو الصياح علنيا إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو أى مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطرق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسكى أو بأية طريقة أخرى، ويكون الفعل أو الإيماء علنيا إذا وقع فى محفل عام أو طريق عام أو فى أى مكان آخر مطروق أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان – طبقا لـ”سالم”.

وتعتبر الكتابة والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز علي عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أى مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أى مكان، بل فى بعض الجرائم يكون عقاب المحرض أشد من عقاب الفاعل الأصلى للجريمة، وهذا أمر يجب أن يعلمه الجميع حتى لا يقع تحت طائلة قانون العقوبات ويجد نفسه خلف القضبان.

يعتبر شريكا في الجرم وأحيانا تكون عقوبته أشد من المُنفذ

وهذا أمر جد خطير نجده يتكرر فى قضايا القتل العمد، فيحرض الأخ أخاه على قتل خصمه وعندما يرتكب الأخ جريمة القتل يدعى الأخ المحرض بأنه مظلوم ولم يفعل شيئا، وهو لا يعلم أن ما قام من تحريض يشكل جريمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد – وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم – عندما حذرنا من خطورة الكلمه فقال: “إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ”، فالمحرض هو من يحمل أو يحاول أن يحمل شخصا مسئولا على ارتكاب جريمة ويعاقب على تحريضه، وإن لم يفض التحريض الى آية نتيجة – وفقا لـ”سالم”.