بين التأكيد على “الحفاظ على حقوق المرأة”، والحديث عن “الإجحاف بحق الرجل”، والشكوك بشأن “الجدوى وإمكانية التطبيق الفعلي”، أثارت وثيقة “التأمين على مخاطر الطلاق” في مصر، حالة من الجدل المجتمعي والديني والبرلماني، فما هي تلك الوثيقة؟، ولماذا تثير كل تلك النقاشات؟
جزءا من قانون “التأمين الموحد”
مؤخرا، وافق مجلس النواب المصري على مجموع مواد “قانون التأمين الموحد”، ليجمع قوانين التأمين المعمول بها في الدولة في تشريع واحد، يضم 217 مادة إلى جانب 5 مواد إصدار، وفق ما نشرته وسائل إعلام مصرية.
وضمن المواد، يحظى قانون “التأمين الاجتماعي” بأهمية خاصة، لما استحدثه من “وثائق تأمين جديدة” وأهمها الوثائق التي نصت عليها المادة 39 من مشروع القانون، وألزمت بإصدار عدة وثائق تأمين إجبارية، منها ما يعرف بـ”وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق” أو “وثيقة المطلقات”
وفي تلك الوثيقة المستحدثة يتحمل الزوج رسومها كاملة، ويدفع ثلثي ثمنها العريس مع عقد الزواج، في حين يدفع الثلث الباقي من الرسوم، مع شهادة الطلاق.
وجرى تحديد شرطين لصرف قيمة الوثيقة، هما “أن يقع الطلاق بطلقة بائنة كبرى، وأن يكون الزواج استمر لمدة 3 سنوات”.
وحال توافر الشرطين فللمطلقة الحق في صرف مبلغ الوثيقة بمجرد الحصول على إشهار الطلاق، لحين صرف النفقة والالتزامات المالية الأخرى التي تقع على عاتق الزوج بعد الانفصال، ولا ينطبق صرف الوثيقة على حالات الخلع.
خلاف برلماني؟
استنكر عضو مجلس النواب المصري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، النائب عاطف المغاوري، وضع وثيقة “تأمين على الطلاق” ضمن مواد قانون “التأمين الموحد” الذي ناقشته لجنة الشؤون الاقتصادية.
وكان ينبغي وضع “الوثيقة”، ضمن بنود قانون الأحوال الشخصية، لكن تضمينها بـ”قوانين التأمين الموحد”، يخل بعلاقة الرجل والمرأة في المجتمع، وفق المغاوري.
واستحداث “وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق” دون التناول للقضايا الشرعية في قانون الأحوال الشخصية، أمر “مخل ولا يجوز وغير دستوري”، حسبما يضيف عضو البرلمان المصري.
ويرى المغاوري أن وثيقة “تأمين مخاطر الطلاق” تتكامل مع وثيقة “الزواج”، وبالتالي كان من المفترض “ربطها” بقانون الأحوال الشخصية، بدلا من مناقشتها كجزء من قوانين تخص التأمين الموحد.
لكن على جانب آخر، يؤكد وكيل لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب المصري، النائب محمد علي عبدالحميد، أن “وثيقة تأمين الطلاق” جزء لا يتجزأ من “قانون التأمين الموحد الشامل”.
وبسؤاله عن مدى “إقرار الوثيقة والموافقة عليها داخل اللجنة”، رفض الإفصاح عن المزيد من التفاصيل.
ويشير وكيل لجنة الشؤون الاقتصادية إلى أن “الوثيقة” تشمل جميع أنواع التأمين، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من ذلك القانون، وليس لها علاقة بقانون الأحوال الشخصية.
“نقاش ديني”؟
وفي مصر فإن الإسلام هو “دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، وفق “المادة الثانية من الدستور المصري” الصادر عام 2014 والمعدل في 2019.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يكشف الأمين العام لهيئة كبار العلماء والمشرف على الفتوى بالأزهر، عباس شومان، عن تلقي مؤسسة الأزهر “القانون” مؤخرا، حيث يتم فحصه من قبل مؤسسة الأزهر.
ويؤكد شومان أن “الوثيقة عرضت مؤخرا على الأزهر، حيث يتم الاطلاع عليها حاليا ومناقشتها”، لكنه رفض الإفصاح عن المزيد من التفاصيل بشأن فحوى المناقشات.
وفي سياق متصل، أوضح عضو مجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عبدالغني هندي، أن “المناقشات مازالت جارية بشأن الوثيقة”.
وسوف تعلن هيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عن رأيهم في الوثيقة، بعد مناقشتها بشكل وافي، وسيتم الإعلان عن ذلك بأسانيد من القرآن والسنة،.
ورفض كلا من شومان وهندي، إبداء الرأي في فحوى الوثيقة وكونها “تخالف أو توافق” نصوص الشريعة الإسلامية التي تعد مصدر التشريع في مصر، وفق الدستور.
ومن جانبه، يشدد مدير إدارة الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية سابقا، عبدالعزيز النجار، على أن الوثيقة “تخالف مقاصد الشريعة”.
ووثيقة التأمين على “مخاطر الطلاق” لا تمكن أن “تحقق المقصد الشرعي من الزواج المبنى على “الأبدية والإمساك بالمعروف وعدم وضع نية مسبقة للطلاق”.
ويشير النجار إلى أن “الأصل بقاء الزواج”، والطلاق “قضية شرعية في حال استحالة العشرة واستحكام الخلاف”.
لكن أن تتحول الزوجة لـ”سلعة يتم التأمين عليها”، فهذا أمر مرفوض شرعا ولا يتوافق مع “مقاصد الشريعة الإسلامية”، وبالتالي من حق الرجل أيضا طلب “وثيقة خلع” وأن يحصل على تأمين إذا خلعته زوجته، وفق ما يوضحه النجار.
ويشير إلى أن الدين الإسلامي حدد “حقوق الرجل والمرأة في حال الزواج والطلاق”، ويقول:” إذا ما أعطينا طرفنا حقوقا وامتيازات أكثر من الطرف الأخر فهذا يساعد على الانفصال وعدم استقرار الحياة الزوجية”.
ويضيف:” إذا زادت حقوق المرأة عن الحقوق الشرعية “طغت الزوجة”، وإذا زادت حقوق الرجل “طغي الزوج”، ولذلك ينبغي تطبيق الشريعة الإسلامية (كما هي) والابتعاد عن مثل تلك الأمور”، في إشارة للوثيقة.
لكن على جانب أخر، يؤكد الداعية، أحد علماء الأزهر، محمد علي، أن الوثيقة “لا تخالف الشريعة الإسلامية”، نظرا لكون “العقد شريعة المتعاقدين”.
وطالما حصل الرضا بين جميع الأطراف، أصبحت الأمور يسيرة، والوثيقة من باب “التكافل الاجتماعي” الذي حث عليه الدين، ولا شك أنها سوف تخضع لمراجعة أساتذة الفقه بالأزهر.
ويقول إن “بعد خراب الذمم وانعدام الضمير، أصبح قانون المطلقات يحفظ للمرأة حقوقها عند الطلاق، وإذا ارتضى الزوج هذا الشرط فلا شيء فيه”.
جدل مجتمعي؟
في عام 2022، سجلت مصر حالة زواج كل 34 ثانية، بينهما وقعت حالة طلاق كل 117 ثانية، وفق بيانات “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء“.
وبلغ عدد حالات الطلاق في مصر 269.8 ألف حالة عام 2022، وبلغ متوسط عدد حالات الطلاق في الشهر 22.5 ألف حالة وفي اليوم 739 حالة، وفي الساعة 31 حالة، وحالة طلاق كل 117 ثانية، أي أقل من دقيقتين.
ولذلك، تؤكد أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، عزة فتحي، أن التأمين على “مخاطر الطلاق” سوف يحافظ على حقوق “السيدات المطلقات”، اللاتي يعانين بسبب “تقاعس الأزواج عن دفع النفقة والالتزام المالية” بعد الانفصال.
والبعض من الرجال كانوا السبب في “تشرد الأسر وسوء حال أطفالهم وتحول بعض السيدات إلى غارمات لا يستطعن إعالة أسرهن”، بسبب التهرب من “دفع النفقات” بعد الطلاق.
ورأت أن “حماية المرأة، وصيانة حقوقها” هو الحل لمواجهة ذلك “التقاعس والتهرب من المسؤولية”، ولذلك جاءت وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق، في ظل منظومة “الحماية المجتمعية للنساء”، وفق أستاذة مناهج علم الاجتماع.
وترى فتحي أن تلك الوثيقة تضمن ذهاب تلك الأموال للزوجة والأطفال، وسيكون هناك “دراسة حالة لكل أسرة” لتحديد “من هن المستحقات للدعم وصرف تلك الأموال”.
لكن على جانب آخر، تشدد أستاذة علم الاجتماع، هالة منصور، على أن الوثيقة “معيبة وتهدد سلامة واستقرار الأسرة المصرية”.
وهناك “شق تنظيمي” للحياة الأسرية، وهو موجود في “الشرائع وما استمد منها من قوانين وتشريعات” لإتمام عملية الزواج كنظام “اجتماعي” لم يغفل “المهر والمقدم والمؤخر”، ويكفل “حقوق المرأة والأبناء” في حالتي الزواج والطلاق.
ولكن هناك “ثقافة مجتمعية مختلة” تتسبب في ارتفاع معدلات الطلاق وظهور المشكلات الأسرية، حسبما توضح أستاذة علم الاجتماع.
وترى أن تشريع “وثيقة لتأمين مخاطر الطلاق” بالتزامن مع الصعوبات الاقتصادية، يجعل “الزوج منهك ماديا”، وبالتالي لا يجب “زيادة الأعباء المادية على كاهل المقبل على الزواج”، وفق منصور.
ومن جانبها، تشير رئيسة اتحاد نساء مصر، هدى بدران، إلى أن “المرأة المصرية تم تمكينها اقتصاديا واجتماعيا”، وفي حال “استحالة المعيشة فالطلاق ليس مشكلة”.
وهناك شروط محددة ليكون “الطلاق” مشكلة حقيقية، وذلك في حال “وجود أطفال وعدم دفع الزوج النفقة”، وفي ظل عدم عمل المرأة، وبالتالي فالتأمين على “مخاطر الطلاق”، يجب أن يكون مرتبط بتلك الحالات،.
وتشير بدران إلى أهمية أن تكون الوثيقة “اختيارية”، بينما يتم النظر للعلاقة الزوجية كـ”عقد اجتماعي متكامل”.
وعلى من يرغب بالزواج أن يقوم بوضع “الشروط التي تناسبه”، وتسجيل العقد في الشهر العقاري، وفق رئيسة اتحاد نساء مصر.
مخاطر “وثيقة المخاطر”؟
مع عدد سكان يبلغ 106 ملايين نسمة، فإن مصر هي البلد العربي “الأكبر ديموغرافيا”، بينما تشير تقديرات إلى أن نحو 60 في المئة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه.
ولذلك يشدد خبير الاقتصاد السياسي، عبدالنبي عبد المطلب، إلى أن وثيقة التأمين على “مخاطر الطلاق”، جاءت بالتزامن مع ارتفاع معدلات الطلاق في مصر ولـ”حفظ حقوق المرأة المصرية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يقارن عبد المطلب عدد سكان مصر بنسب الطلاق التي يتم الإعلان عنها، ويقول إن “الأعداد قليلة جدا”.
ويرى أن “التشدد في تطبيق بعض الاشتراطات أثناء الزواج ومنها وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق”، قد تؤدي لانهيار “منظومة القيم” التي تبنى عليها الأسر المصرية.
وفي ظل “ضبابية” تحديد وتعريف “مني هي المطلقة؟، ومن له الحق في إصدار قرار الطلاق؟”، فهذه الإجراءات قد “تخيف الشباب” وقد تدفع البعض إلى “العزوف عن الزواج من المصريات”، ولذلك يجب أن يكون هناك “حوار مجتمعي” لتحديد “مدى إمكانية تطبيقها ومتى يتم ذلك”، حسبما يحذر عبدالمطلب.