في عقود الإيجار وغيرها من العقود الخاصة بالتعاملات، المالك يشترط على المستأجر “عدم التأجير من الباطن”، ومن الممكن في عقد البيع إن يشترط البائع على المشتري إنه “لا يتصرف في المبيع خلال فترة أو مدة محددة”، ومن الممكن نفس الأمر يحدث في عقد “الهبة” أو “الوصية”، وكل هذه الحالات تدخل تحت مسمى “الشرط المانع من التصرف”، وهو شرط يفرض “قيود” على المتعاقد، ويمنعه من “استعمال حقه القانوني” في التصرف، وشرط “المنع من التصرف” يكون صحيح، يجب أن يكون فيه “3” شروط: “

1- يكون وارد في عقد أو وصية،

2- أن “الباعث” أو “الهدف” من الشرط يكون سبب مشروع،

3- إنه يكون محدد المدة”.

ومن الممكن أن يكون “الشرط المانع من التصرف” مكتوب في” عقد” ومن الممكن يكون مكتوب في “تصرف منشئ للإلتزام” مثلاً “التعهد بدفع مبلغ معين مقابل استعماله في غرض محدد أو منع استعماله لمدة من الزمن”، والأصل إن” الشرط المانع من التصرف” ينشأ في نفس وقت كتابة العقد الأصلي، لكن ليس هناك ما يمنع أن يدون جملة “في إتفاق لاحق”، و”الشرط المانع من التصرف” يترتب على مخالفته “بطلان نسبي للعقد”، إلا إذا كان الشرط” يردد قاعدة قانونية ملزمة” فيكون وقتها “شرط من النظام العام”.

هل يجوز أبيع “العقار” وأشترط على المشترى في العقد بعدم التصرف؟ 

في التقرير التالى، يلقى “قانون بالعربى” الضوء على حزمة من الأسئلة حول الشرط المانع من التصرف، أبرزها مدى صحة الاتفاق بعقد البيع أو الوصية  على شرط مانع من التصرف؟ وما هى أثار ذلك؟ وماذا لو خالفه المشترى أو الموصى له؟ ورأى محكمة النقض في الأزمة، خاصة وأنه فى بعض العقود وعلى رأسها عقود البيع والوصية نجد الطرف البائع أو الموصى يشترط على الطرف الثانى – المشترى أو الموصى عدم التصرف فى الشئ المبيع أو محل الوصية ويمنعه من التصرف فيه لحين أجل معين أو لحين وفاة الموصى أو لحين حدوث أمر ما متفق عليه، فما حكم هذا الشرط المانع من التصرف؟ وما هى شروط صحته ؟ وما آثر مخالفة ذلك الشرط، ومن له حق التمسك ببطلانه أن صح؟

في البداية – أجازت المادة 823 من القانون المدنى – كإستثناء – الاتفاق على الشرط المانع من التصرف متى تحققت الشروط الآتية:-

1- أن يكون مبنيـًا على باعث مشروع، ويكون الباعث مشروعًا متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرِف أو المتصرَف إليه أو حتى الغير – كسداد باقى الثمن – أو اتمام عمل معين – إلا أن تقدير مشروعية المصلحة المراد حمايتها، ومدى معقولية المدة المحددة للمنع مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه .

2- وأن يكون مقصورًا على مدة معقولة، والمدة المعقولة يجوز أن تستغرق مدى حياة المتصرِف أو المتصرَف إليه أو الغير.

ملحوظة: وعلى ذلك لو كان العقد جاء خاليا من مدة للمنع من التصرف أو كان الباعث غير مشروع مخالف للنظام العام والآداب فإن ذلك الشرط يقع باطلا.

آثار مخالفة الشرط المانع من التصرف:

وفقا لنص المادة 824 من القانون المدني يترتب على مخالفة شرط المنع من التصرف – بطلان هذا التصرف إلا أنه بطلان نسبى  – وليس بطلانـًا مطلقًا – حيث يتفق مع الغاية من تقرير المنع وهي حماية مصلحة خاصة مشروعة لأحد الأشخاص، ومن ثم يتحتم ضرورة قصر المطالبة بهذه الحماية أو التنازل عنها على صاحب المصلحة وحده فقط، ويمتنع على المحكمة الحكم بالبطلان من تلقاء نفسها، حيث نصت المادة 824 مدنى: “إذا كان شرط المنع من التصرف الوارد في العقد أو الوصية صحيحا طبقا لأحكام المادة السابقة، فكل تصرف مخالف له يقع باطلا.

تطبيقات قضائية لمحكمة النقض

هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكاليات أبرزها الطعن المقيد برقم 1752 لسنة 86 قضائية، والذى جاء في حيثيات: المقرر- في قضاء محكمة النقض – أن النص في المادتين 823، 824 من القانون المدني يدل – وعلى ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون المدني – على أنه ولئن كان الأصل هو تحريم شرط المنع من التصرف باعتبار أن حق المالك في التصرف في ملكه من أخص عناصر الملكية إلا أن المشرع استثناءً من هذا الأصل أباح الشرط المانع من التصرف الوارد في العقد أو الوصية – بوصفه من القيود الاتفاقية التي ترد على حق الملكية متى كان المقصود به تحقيق مصلحة مشروعة للمتصرِف أو المتصرَف إليه أو للغير وكان المنع مؤقتًا لمده معقولة لا تجاوز الغرض منه أو الحاجه التي دعت إليه، فإذا توافر هذان الشرطان فإن الشرط المانع من التصرف يكون صحيحًا ويتعين على المتصرف إليه الالتزام به ويترتب على مخالفته في المدة المحددة لسريانه بطلان التصرف المخالف، وتقدير مشروعية المصلحة المراد حمايتها ومدى معقولية المدة المحددة للمنع مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه.

حكم آخر لمحكمة النقض 

وفى حكم أخر لمحكمة النقض جاء فيه: “إذ كان الثابت -بلا خلاف بين الخصوم- أن المطعون ضده الثاني قد خُصص له الوحدة محل التداعي بموجب عقد التخصيص المؤرخ 21/11/1998 بالعقار المملوك للجمعية الطاعنة، ونص في البند التمهيدي للعقد أن الهدف من إبرامه بناء عمارة سكنية وتمليكها بصورة تعاونية، مما مؤداه أن العقد أُبرم في ظل أحكام القانون رقم 14 لسنة 1981، فتسري عليه أحكامه، ويخضع المتصرف له للحظر الوارد في الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون، ونص العقد كذلك بالبند السادس على أن أي تصرف من جانب المطعون ضده الثاني قبل سداد كافة الالتزامات ونقل الملكية له يعد باطلًا، ومن ثم فإن الطاعنة أبرمت العقد للمطعون ضده الثاني في إطار أحكام القانون رقم 14 لسنة 1981، وتمسكت بالحظر الوارد بالمادة السادسة منه، فإذا ما خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه” – الطعن رقم 5364 لسنة 86 قضائية.

حكم رقم 3 لمحكمة النقض

من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه ولئن كان مفاد المادة 802 من القانون المدني أن لمالك الشيء حق استعماله والتصرُّف فيه، إلا أنه لما كان مؤدى المادتين 806 ، 823 من القانون المدني – وعلى ما أفصح عنه المشرع في الأعمال التحضيرية – أن الملكية ليست حقّاً مُطلقاً لا حد له بل هي وظيفة اجتماعية يُطلب إلى المالك القيام بها، ويحميه القانون ما دام يعمل في الحدود المرسومة لحمايته ، ويترتب على ذلك أنه حيث يتعارض حق الملكية مع مصلحة عامة فالمصلحة العامة هي التي تُقدّم ، وكان من المقرر – أيضاً – أن مفاد النص في المادة 823 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن شرط المنع من التصرف يصح إذا بُني على باعث مشروع وأقتصر على مدة معقولة ، ويكون الباعث مشروعاً متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرّف إليه أو الغير – الطعن رقم 14520 لسنة 78 قضائية.

حكم رقم 4 لمحكمة النقض 

وفى حكم هام لمحكمة النقض جاء فيه: صحة الشرط المانع من التصرف الوارد فى عقود تمليك المساكن الشعبية والاقتصادية، وأن الملكية هى وظيفة اجتماعية موكلة إلى المالك، أما مناط حماية القانون لها هو التزام المالك بحدودها، ويكون مؤداه تقديم المصلحة العامة عند التعارض مع حق الملكية طبقا للمواد 802، 806، 823 مدنى والأعمال التحضيرية له، كما يحق للسلطة التنفيذية فى إصدار اللوائح التشريعية اللازمة لتنفيذ القوانين، والمقصود بالقانون هنا هو معناه العام، ويكون نطاقه أى تشريع صادر من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية بناء على تفويضها من الأخيرة طبقا للمادتان 108، 144 دستور 1971 الملغى.

وتضيف “المحكمة”: تمليك المساكن الشعبية والاقتصادية يكون من خلال موافقة المحافظ المختص على التصرف فيها بالبيع أو التنازل مع عدم امتداد الملكية إلى الأرض المقامة عليها – طبقا للمادة 72 من القانون 49 لسنة 1977 وقرار رئيس مجلس الوزراء 110 لسنة 1978 بتنظيم قواعد وشروط وأوضاع هذا التمليك، واعتبار هذه الشروط والقيود مفروضة بالقانون بمعناه العام، ويكون أثره وجوب إعمالها، وذلك مع ثبوت تضمن عقد تمليك الوحدة السكنية الاقتصادية محل النزاع شرطاً مانعاً من التصرف فيها بالبيع أو التنازل للغير أو إجراء آية تعديلات أو تغيير استعمالها لغير غرض السكنى إلا بموافقة الجهة البائعة التى يمثلها الطاعن الثانى بصفته، واعتبار هذا الشرط إعمالاً لقانون ملزم وليس شرطاً تعاقدياً خاضعاً لإرادة الطرفين، وعلة ذلك تعلقه بالنظام العام، أما قضاء الحكم المطعون فيه ببطلان ذلك الشرط لتعارضه مع حق الملكية يكون مخالفة للقانون وخطأ – طبقا للطعن رقم 5905 لسنة 84 قضائية.

حكم خامس حول “الشرط المانع من التصرف”

وفى حكم أخر لمحكمة النقض تصدت المحكمة لهذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 3077 لسنة 66 قضائية، قالت فيه: “الشرط المانع من التصرف قيامه صحيحاً بابتنائه على باعث مشروع واقتصاره على مدة معقولة، والباعث المشروع مناطه أن يكون غاية المنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو الغير، أما المدة المعقولة وجوب أن تكون مؤقتة وفقاً لواقع كل تصرف وملابساته وليس من شأنها تأبيد المنع مع جواز استغراقها مدى حياة أى من الأخيرين طبقا للمادة 823/2 مدنى، ومخالفة ذلك ينتج عنه بطلان التصرف، ومحكمة الموضوع هنا يكون استقلالها بتقدير مشروعية المصلحة المراد حمايتها و معقولية المدة المحددة لسريانه، أما شرطه يكون استنادها لأسباب سائغة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *