لم يكن «محمود» (23 عاما) يعلم أن حياته بأكملها ستتغير وتنقلب رأسًا على عقب بعد إدمانه مواقع المراهنات الإلكترونية وتطبيقاته المختلفة، إذ عصف بذهنه حلم الثراء السريع وتحقيق أرباح طائلة، فبات يشترك فى الكثير من تلك التطبيقات ومنها تطبيق لرهانات كرة القدم وهو 1xbet، يعتمد على توقع الفائز والخاسر شرط دفع مبلغ مالى بسيط من خلال محفظته الإلكترونية.. فكيف سارت الأمور مع محمود وأمثاله من الطامعين؟

مباريات الهامة، وإذا صح توقعه فإنه يحقق أرباحا مالية كبيرة تصل إلى العشرين ألف جنيه، وعادة ما كان يبنى توقعاته على متابعة دقيقة لمباريات الفرق ونتائجها الأخيرة، إلا أن القدر كان له رأى آخر وخسر كل أمواله التى راهن عليها وقد تخطت الخمسين ألف جنيه!

ورغم حظر مصر ذلك التطبيق مؤخرا وحجبه بشكل نهائى من متجر «جوجل بلاي» بعد مطالبات عدة داخل أروقة البرلمان، فإن هناك تطبيقات أخرى شبيهة له تعتمد على تنبؤات فى ثلاثة فروع رياضية رئيسية وهى كرة القدم، والسلة، والتنس، اعتمادا على إحصائيات الفرق المشاركة من حيث فوزها وخسارتها المباريات الأخيرة، بل إنها تعتمد على بعض الخبراء الأجانب فى عالم تلك المراهنات فى بث مباشر على صفحاتها الإلكترونية، وفى حال الإيداع الأول لمبلغ الاشتراك تقوم تلك التطبيقات بمنح المشتركين جائزة مالية قد تصل إلى مئة دولار، بهدف جذب الكثير من المشتركين، وفى حال خسارة الرهان فإن المشترك يخسر ذلك المبلغ أيضا.

◄ خراب الأسرة

لا تتوقف أضرار المراهنات على حد خسارة الأموال فقط، بل تخطت ذلك لحد خراب الأسرة وتدميرها، فسعاد كانت تعيش حياة مستقرة مع زوجها لمدة تخطت العشر سنوات، حتى بدأ يهتم ببعض الألعاب البسيطة على هاتفه المحمول مثل الكوتشينة والتصويب على الطائرات، دون أن تشترط مبلغا ماليا، فبدأ يزيد اهتمامه بها خاصة مع مكاسبها السريعة والكبيرة، فأهمل عمله وأصبح يتغيب عنه كثيرا حتى أنه خصص لتلك الألعاب وقتا ثابتا يوميا، ما اضطر صاحب العمل أن يفصله نهائيا، ورغم ذلك فإنه لم يتوقف عن اللعب مما اضطر سعاد إلى أن تقترض بعض الأموال من صديقاتها وأفراد أسرتها آملة أن يحقق زوجها المكسب المالى الوفير الذى وعدها إياها، إلا أن الأوضاع ازدادت سوءا وخسر كل الأموال التى وضعها فى تلك الألعاب وساءت حالته النفسية وتحول لوحش آدمى يعنف زوجته وأطفاله الثلاثة.

لكنه لم يتوقف عن الاشتراك فى مواقع المراهنات الأخرى، فقد تحول إلى مقامر مدمن، فما كان من تلك الزوجة البائسة إلا أن تحاول إصلاحه بالتوقف عن اللعب، فقوبل طلبها بالرفض وتعدى عليها بالضرب والشتائم فطلبت الطلاق حماية لها ولأبنائها الصغار الذين تحولوا لأشباح يعانون الاكتئاب والانهيار النفسى.

◄ القمار الإلكتروني

وتشهد مكاتب حل النزاعات الأسرية فى المحاكم الكثير من القضايا التى يكون بطلها القمار الإلكترونى، منى رجب – 36 سنة واحدة من الزوجات التى باتت حياتها الأسرية على كف عفريت بعد أن أدمن زوجها المحاسب بواحدة من شركات الاتصالات الكبرى تلك المواقع الكبيرة فتقول: تغيرت حياتنا الأسرية بسبب رهانات الألعاب الإلكترونية المعروفة بتطبيقات التعارف والغرف المغلقة، حيث كان يقوم بالرهان على أكثر من لعبة مثل التصويب على الطائرات وبعض الألعاب القتالية، مشيرة إلى أن اللعب فى البداية كان بغرض التسلية حتى تحول إلى إدمان مع توالى المكاسب السريعة.

وتضيف: تحول اللعب بعد ذلك عن طريق مجموعات على منصة «تليجرام» بعد شحنه لمحفظته الإلكترونية بأكثر من مئة ألف جنيه لمضاعفة أرباحه، ما جعله يقضى وقته بالكامل على هذه الجروبات، وبدأ فى خسارة الأموال يوما تلو الآخر بدعوى سوء حظه وقلة تركيزه، ووصل لحد خسارته كل أمواله ولم يعد يستطيع الإنفاق على الأسرة، مؤكدة أنها لجأت للخلع كى تضمن لأطفالها حياة مستقرة دون المساس بصحتهم النفسية وقيمهم الأخلاقية.

يقول أحمد عبد الرحمن، محامٍ: بعد غزو تلك المواقع لمجتمعنا زادت أعداد حالات الخلع والطلاق للضرر، فكثير من الأزواج باتوا يهملون أعمالهم وأسرهم لأجل تحقيق مكاسب مادية سريعة مما يعرضهم لحالات النصب من قبل تلك المواقع، مؤكدا أن الكثير من الزوجات المتضررات بتن يلجأن للخلع لسرعة البت فيه، كما أنه من الصعب إثبات إدمان الزوج ألعاب القمار.

ويشير عبدالرحمن إلى أنه فى حال الوصول للحساب الشخصى للزوج فى ألعاب المقامرات، ورقم محفظته الإلكترونية التى يقوم بالتداول من خلالها يمكن الطلاق للضرر وحصول الزوجة على كافة حقوقها وحقوق أطفالها أيضا.

◄ صناعة مجرمين

تتطور أخطار المراهنات الإلكترونية والقمار إلى جرائم قتل بشعة، ويتحول المقامر إلى مجرم متسلسل لا هم له إلا كسب الأموال لخوض مغامرة رهان أخرى دون المبالاة بحياة الآخرين، ولعل واقعة مقتل طالب الثانوى بمحافظة الدقهلية على يد مدرسه خير مثال، حيث قام المدرس باختطافه لأجل طلب فدية من أهله الأثرياء نتيجة خسارته مبلغا ماليا كبيرا فى أحد تطبيقات المراهنات، وخلال تصويره الفيديو والمساومة من أجل إرساله لأهله، قام بقتله عن طريق الخطأ، ما دفعه لتقطيع الجثة ونثرها فى عدة أماكن لإخفاء جريمته، إلا أنه تم اكتشافها والقبض على المدرس، وقد اعترف بإدمانه القمار الإلكتروني ورغبته فى الثراء السريع رغم عمله فى الدروس الخصوصية.

وقبل أسابيع، استطاعت وزارة الداخلية ضبط تشكيل عصابى منظم فى عدة محافظات تخصص فى الاستيلاء على أموال المواطنين من خلال استقطابهم للمشاركة فى المراهنات غير المشروعة عبر مواقع إلكترونية تدار من خارج البلاد، وكان أعضاء هذا التشكيل يستخدمون محافظ إلكترونية بأسماء وهمية وعملات مشفرة، تحول إلى الخارج فى صورة عملات أجنبية وبالطبع يمثل أيضا خطرا على الاقتصاد القومي.

◄ إدمان القمار

يقول الدكتور أحمد نور، أستاذ علم النفس: تنتاب المقامر حالة نفسية تعرف بـ«اضطراب المقامرة» وهى عبارة عن الرغبة فى المقامرة بغض النظر عن الأضرار التى تلحق به إما خسارة المال أو الضغط النفسى الذى قد يتعرض له، وعادة ما ترتبط به مشكلات أخرى مثل إدمان المخدرات والنصب والسرقة بغرض الحصول على أموال تكفيه لمعاودة المقامرة، مشيرا أنه على المدى البعيد يتعرض لعدة شكلات نفسية منها الإصابة بمرض الوسواس القهرى والاكتئاب الحاد، فضلا عن مضاعفات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم وجلطاب القلب المفاجئة.

ويشير نور إلى بعض علامات هذا المرض منها التخطيط الدائم والانشغال بكيفية الحصول على أموال المقامرة، وهذا يؤدى لأعمال النصب والسرقة، كذلك المخاطرة بالعلاقات المهمة فى حياة المدمن مثل العلاقات الأسرية والعمل وهذا ما يجعله يخسر حياته الزوجية والعملية دون الشعور بالذنب أو التفكير فى الأسباب، مضيفا أن المقامر يحاول بأقصى جهده أن يسترد المال الذى خسره بأى طريقة وهو ما يعرف باسم «ملاحقة الخسائر».

◄ منصات احتيال

يقول المهندس أحمد طارق خبير أمن المعلومات: تعد مواقع المقامرة والمراهنات مواقع نصب ومنصات احتيال غرضها استقطاب شريحة من الشباب بين 18إلى 40 عاما بهدف تحقيق الربح السريع، ويعتمد أغلبها على وكلاء يقومون بالترويج لها من خلال بث بعض الفيديوهات لهم مؤكدين حصولهم على أرباح مادية كبيرة، مشيرا إلى أنه بمجرد تنزيل تلك المنصات على الهاتف فإنه من الممكن اختراق بياناته ومراقبته واستهداف كل المعلومات المثبتة عليه.

ويضيف طارق: أغلب تلك المنصات يعمل بمبدأ واحد وهو الوعود بمكاسب خيالية مع إمكانية استثمارها على المدى البعيد، وذلك بالاعتماد على دفع أرباح رمزية للمشتركين وفى حال دفع أموال كبيرة سرعان ما تختفى ويتم غلق حساب المشترك، مؤكدا أن هناك وقائع نصب كبيرة كان بطلها مؤسس منصة fxt وهو سام بانكمان الذى حكم عليه بالسجن مدة 25 عاما بتهمة غسيل الأموال.

وينوه إلى أن أغلب المشرفين على التطبيقات عادة ما يستخدمون محافظ إلكترونية بأسماء وهمية أو حتى تخص أفرادا بسطاء يتم منحهم مبلغا زهيدا لاستغلال أسمائهم فى التداول، مؤكدا أن الهواتف الذكية سهلت ألعاب المقامرات وعادة ما يتم إدارة تلك الألعاب من دول كبرى مثل الصين وروسيا.

◄ القمار المحرم

وكان مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونيــة قــد أكــــد أن المراهـــنات التى يجريها المشاركون على مجموعات مواقع التواصل الاجتماعى والتطبيقات المختلفة، ويدفعون أموالا فى حساباتهم، ثم يأخذ هذه الأموال الفائز منهم فقط، ويخسر الباقون، هى عين القمار المحرم، وقد استعان البيان بقول الله تعالى:»يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه»، مؤكدا أن المال المكتسب من المراهنات والقمار مال خبيث ويرد على أصحابه، وإن تعذر رده، صرف فى مصالح المسلمين، تخلصا منه.