أكثر من٨٠٠ شائعة تطلقها منصات «النار والدمار» يوميًا، تستهدف المصريين بأكاذيب متفرقة، وتعتقد أنها ستتمكن عبْرها من ضرب جدار الوطن المنيع. شلال هادر من المعلومات المغلوطة، فى شتى مناحى الحياة «السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها»، ولكن المراهنة الحقيقية على المناعة الشعبية للمصريين، ووعيهم وحسهم الوطنى بمخططات شيطانية، لهدم استقرار الدولة المصرية «عمود الخيمة» فى محيطيها العربى والإقليمي، وسط مُطالبات من الخبراء والمتخصصين بضرورة صياغة استراتيجية لمواجهة تلك الشائعات والقيام بهجمة مرتدة لمحاصرة مروجي الأكاذيب ودحرها فى مهدها.
أصبحت الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ظاهرة لا يمكن تجاهلها فى مصر، حيث تتزايد بشكلٍ ملحوظ وتؤثر على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.. واحدة من أحدث هذه الشائعات كانت عن ظهور ‘وباء الكوليرا’ بأسوان، والتى انتشرت بسرعة كالنار فى الهشيم، مثيرة الذعر بين المواطنين، ومهددة بضرب الموسم السياحى الشتوي، فى واحدةٍ من أهم الوجهات السياحية بالبلاد.. ورغم سرعة انتشار هذه الشائعة، أظهرت ردود فعل المصريين مزيجًا من التفاعل الحذر والمناعة المكتسبة من التعامل مع مثل هذه الأخبار الزائفة.
ووفق آخر الإحصاءات الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، فإن مصر تُواجه يوميًا نحو 800 شائعة، على منصات التواصل الاجتماعي، بمعدل انتشارٍ يتزايد بشكل طردى خلال أوقات الأزمات، ورغم ذلك، أظهرت الدراسات، أن نسبة كبيرة من المصريين أصبحوا أكثر وعيًا بكيفية التعامل مع هذه الشائعات، خاصة مع انتشار حملات التوعية التى تقودها الحكومة والمنظمات المدنية لمحاربة المعلومات الزائفة.
«الأخبار» التقت مجموعة من الخبراء والمتخصصين، لاستبيان كيفية تحصين مناعة المصريين من مسلسل الأكاذيب والشائعات.
◄ خبراء: الكتائب الإلكترونية» سلاح الأعداء.. والشفافية حصن المواجهة
فى البداية، يرى د.فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس السياسي، بجامعة عين شمس، أن المجتمع المصرى يعانى أزمة خطيرة، وهى تكرار الشائعات، والمعروف أن الشائعة حدث أو خبر أو رأي، فيه جزء من الصواب والباقى مفبرك لأغراض معينة.
وأضاف أن شائعات السوشيال ميديا، كلها باتت تعكر الصفو العام للمجتمع، فهناك مَن لهم أهداف وأجندات خاصة، ومن مصلحتهم تعميق الشائعات لأسباب عديدة أهمها زعزعة الثقة فى الدولة وهدم استقرار البلاد.
وأكد أنه مالم يتم على الفور رصد الشائعة ثم الظهور للرد عليها، يتم انتشارها بشكلٍ كبير، ولذا يجب الرد والسرد الحقيقي، بأدلة وبراهين وبشواهد قاطعة.
وشدد على أهمية أن يكون القائم على تفنيد الشائعة صاحب قبول عند الناس، وأن يكون الرد بسيطًا وعفويًا بلغةٍ بسيطة، حتى تصل لمشاعرهم قبل عقولهم، وأن نُصارح الناس بالآثار السالبة للشائعات.
◄ السوشيال ميديا
ويوضح د.جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، أن الشائعات تسبب نوعًا من أنواع الهلع والبلبلة، والسوشيال ميديا، المحرك الرئيسي، وأكد أن هناك حملة ممنهجة لاستهداف مصر وتوجيه ضربة موجعة للسياحة، وأشار إلى أن تعامل الحكومة مع أزمة أسوان، كان جيدًا، ولكن كان المطلوب التعامل بشكلٍ أسرع من ذلك، ولكن رد وزير الصحة، وتوجه محافظ أسوان للمكان نفسه وشرب المياه، كان له المردود الفَعَّال فى تفنيد الشائعة وقتلها قبل تأثيرها وانتشارها.
وكشف أن تلك الحروب، تعتمد على نوعين من الشائعات، ‘الغائصة والفُجائية’، ونحن الآن فى موسم ‘الشائعات الفُجائية’، والتى من أهدافها تدمير الاقتصاد وزعزعة الثقة فى الدولة.
ولفت إلى أنه على المواطن أن يتأكد من المصادر الرسمية والمعلومة، ولا يأخذ الأخبار من السوشيال ميديا.. كما طالب أجهزة الدولة بتغليظ العقوبة على مروجى الشائعات والأكاذيب.
◄ فعل الترصد
وترى د.هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أن الشائعة معلومة زائفة، الناس تتداولها بعد أول إعلان عنها، وأضافت أنه على مر العصور استخدمت الشائعات فى الحروب القديمة، أما الآن تستخدم بفعل الترصد، وهدفها ضرب الاقتصاد، وضرب الموسم السياحي، مثل شائعة ظهور ‘الكوليرا’، والتى عانت منها مصر قديمًا، وكان هدفها ضرب الموسم السياحى والشتاء الدافئ بأسوان.
◄ نظرية المؤامرة
أما د.محمد أحمد غنيم، أستاذ علم الاجتماع، بجامعة المنصورة، فيرى أن المستهدف الآن ضرب استقرار مصر، فأسوان بالذات مدخل جنوبى لمصر، وهى على مقربة من بؤر الصراع، والعدو الكامن والخفى يريد العبث باستقرار البلاد، والتاريخ يقول ذلك، فعدم استقرار مصر يؤدى إلى عدم استقرار المنطقة بالكامل.
وطالب المصريين بعدم الالتفاف لمثل هذه الأكاذيب والمؤامرات، وعن الظاهرة الموجودة الآن وهى ترديد الشائعة، أكد غنيم، أنه يجب علينا عدم ترديد الأكاذيب على السوشيال ميديا، والتأكد من الأخبار قبل مشاركتها على صفحات التواصل الاجتماعى من المصادر الرسمية.
وأشار إلى أن القيادة السياسية، تعى مثل هذه الأمور جيدًا، والمؤتمر الصحفى لرئيس الوزراء، فَنَّد هذه الشائعات قبل انتشارها.
◄ تضارب
وترى د.هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع، أن تضارب مصادر المعلومات هو من يعطى الشائعات تأثيرات كبيرة وسلبية.
وأكدت أهمية الإعلان عن وجود مصدر للمعلومات، فأى شائعة متعلقة بالصحة بتأخد مدى كبيرًا، ونتذكر ماحدث جيدًا أيام كورونا، وفيروس الشائعات وقتها كان أخطر بكثيرٍ من فيروس كورونا، كما أن الثقافة الطبية كاتت ضعيفة، مما أدى إلى انتشار شائعة الكوليرا بأسوان.
وأكدت أن الحكومة ردت على الشائعة وقامت بوقف انتشارها بعد عرض الحقيقة، وقيام وزارة الصحة بتدشين خط ساخن من وزارة الصحة يعطى المعلومة الصحيحة والموثوقة أو الرسمية قبل نشر أى اخبار على السوشيال ميديا.
◄ سوق سوداء
وأكد د.حسن عماد مكاوي، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن الشائعات بمثابة «السوق السوداء»، التى تتغذى على نقص المعلومات وحجبها عن الجمهور.. وأضاف أن السبب الرئيسى لانتشار الشائعات فى أى مجتمع هو حجب المعلومات، لذلك يجب على جميع أجهزة الدولة تقديم المعلومات، خاصة للصحفيين والإعلاميين، لتوفير حق المواطن فى المعرفة..
وأشار إلى أنه إذا تم توفير المعلومات الدقيقة من مصادرها بشكلٍ شفاف وواضح وسريع، فإن الشائعات ستقل بنسبة كبيرة.
وشدد على أن الدستور المصري، يقر حق المواطن فى الحصول على المعلومات من جميع مؤسسات الدولة، ولكن هذا الحق يحتاج إلى قانون لتنظيمه وتفعيله، وحتى الآن، لم يصدر هذا القانون، ويجب أن يكون هناك قانون يحدد المعلومات التى يجب حجبها لأسبابٍ تتعلق بالأمن القومي، بينما يجب أن تكون باقى المعلومات متاحة للجميع، فإذا تم إصدار قانون حرية تداول المعلومات، سيكون من حق الصحفيين الحصول على المعلومات من مصادرها، وسيخضع المسئول الذى يمتنع عن تقديم المعلومات لعقوبات، وهذا سيُساهم فى تقليل الشائعات بشكلٍ كبير.
وأوضح أنه يجب أن يكون لكل وزارة أو هيئة أو مؤسسة، مكتب إعلامى أو مستشار إعلامى أو مكتب علاقات عامة، يوفر المعلومات المتاحة لِمَن يطلبها، خاصة الصحفيين والإعلاميين، وإذا كانت المعلومات متاحة ومتداولة، فلن يكون هناك مجال لانتشار الشائعات.
وقال إن التربية الإعلامية، مادة مهمة يجب تعليمها فى المدارس والجامعات، وأن هذه المادة تُعلِّم المواطنين كيفية تحليل المعلومات والتحقق من مصادرها، مما يساعد فى تقليل انتشار الشائعات.
◄ الذباب الإلكتروني
ويؤكد د.حسام النحاس، أستاذ الإعلام بجامعة بنها، أن الشائعات والأكاذيب تنتشر بشكلٍ كبير من خلال الفبركة الإعلامية، حيث يتم نشر موضوعات كاذبة من الأساس ومشاركتها آلاف المرات، مما يؤدى إلى انتشار وتداول الشائعات، وأضاف أنه للأسف أصبح هناك إطار ممنهج لنشر وتداول الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أن الشائعة تبدأ من منصة أو تطبيق معين، غالبًا من صفحة مجهولة أو مستخدم مجهول، وغالبًا ما تكون هذه الصفحات مليونية، وتنطلق الشائعة أو الأكاذيب بشكلٍ جنوني، بما يشبه الذباب الإليكتروني، عبر العديد من حسابات المستخدمين فى توقيتٍ واحد، مما يخلق نوعًا من القلق، وإثارة البلبلة بين الرأى العام، ويؤدى إلى خلق رأى عام ووعى مزيف.
وأشار إلى أنه يمكننا تسمية هذا النوع من الإعلام بـ «بالشائعات الموجهة»، حيث يكون موجهًا فى قضية معينة وليس إعلامًا حقيقيًا، هذه الشائعات الموجهة والممولة، تعمل ضمن إطار محدد، ولم تعد الأمور تسير بشكلٍ عشوائى كما كان فى الماضي.
وكشف أنه فى السابق، كانت الشائعة تنتشر بشكلٍ عشوائى وربما لا تصل إلى الجمهور، ولكن الآن بضغطة زر واحدة يمكن نشر موضوع معين يحتوى على أكاذيب فى توقيتٍ واحد، مثال على ذلك، موضوع أسوان، حيث تنتشر شائعة لا أساس لها من الصحة بصياغةٍ واحدة وكلمات واحدة، ويتم تداولها بين آلاف المستخدمين فى توقيتٍ واحد دون وعى أو تحقق من صحتها..
وذكر أن هذا الأمر ينذر بالخطر، حيث لم تترك الشائعات أى مجال، فهى تنتشر فى الشأن الاقتصادى والاجتماعى والسياسي، وفى الملفات التى تتعامل مع المواطنين وتقدم خدمات يومية مثل التعليم والتموين.. ومع بداية العام الدراسي، نلاحظ وجود آلاف الشائعات فيما يخص العملية التعليمية، مما يؤدى إلى تخويف الناس من النزول إلى المدارس.
وشدد على ضرورة، أن يكون هناك استراتيجية متكاملة من الدولة لمواجهتها، ولا يتم الاكتفاء بمركز المعلومات لنفى الشائعات، بل الأمر يحتاج إلى استراتيجية متكاملة لمواجهة الشائعات.
وقال إن أهم عناصر الاستراتيجية، هى أن يقوم الإعلام بالمساعدة فى تدفق المعلومات والأخبار بشكلٍ يومي وبشكلٍ مباشر للجمهور فى مختلف القضايا والموضوعات التى تهم الرأى العام، كما يجب أن يكون نفى الشائعة فى فترة زمنية ممكنة وسريعة، فضلًا عن دور المتحدث الإعلامى أو المتحدث الرسمى للوزارة، وأن يكون على علمٍ تام بما نشر من شائعات، وأن يكون على علمٍ تام بالحقائق والمعلومات، ويتم بثها بشكلٍ مباشر عبر وسائل الإعلام.
أما بالنسبة لموضوع التوعية ودور المدارس والجامعات فى مكافحة الشائعات وتوعية الشباب، فإن هذا يتطلب جهودًا مكثفة من كافة الجهات، سواء كانت من الدولة أو الحكومة، مثل وزارة التعليم العالى ووزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة، إضافةً إلى الأزهر الشريف والكنيسة والمؤسسات الدينية الأخرى.. كما أن المجتمع، بما فى ذلك الأحزاب والمؤسسات والجمعيات، والمواطن نفسه، شركاء فى هذا الأمر.
ونَوَّه إلى أننا نحتاج أولًا إلى تضمين المناهج التعليمية فى مراحل التعليم المختلفة»، سواء كانت مرحلة التعليم الجامعى أو قبل الجامعي»، التوعية بهذا الأمر، كما أن هذا الوعى سينتقل إلى البيوت والأسر والشارع المصري، وبعد سنوات قليلة، سيكون هؤلاء الطلاب والشباب قادة المستقبل ويمكن البناء عليهم، مع التركيز على التربية الإعلامية، التى تشمل مواجهة الشائعات، وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام، وكيفية التحقق من الأخبار، وكيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى وتلافى سلبياتها، وتعظيم الاستفادة من إيجابياتها.
وطالب بأن تتناول المناهج أيضًا مفهوم الأمن القومي المصري، وتكون متاحة لملايين الطلاب عبر سنوات التعليم المختلفة بما يتناسب مع المرحلة السنية والعمرية، فضلًا عن تنظيم الندوات والمؤتمرات والمسابقات الثقافية بالمدارس والجامعات، لتكون منصات للتوعية، من خلال رجال الدين وأساتذة الإعلام والمثقفين.