طرق الطعن غير العادية على الأحكام
لان القاضي بشر فانه قد يقع، وهو يصدر حكم في خطأ، هذا الخطأ قد يتخذ إحدى صورتين:
ا- خطأ في الإجراء: الحكم يجب أن تسبقه أعمال إجرائية أخري، هذه الأعمال الإجرائية يجب أن تتم صحيحة لكي ينتج الحكم أثاره القانونية، فاذا وقع عيب في الحكم كعمل قانوني، سواء كان عيبا ذاتيا فيه أو في عمل سابق عليه ترتب عليه بطلان أثر في الحكم، وهو ما يسمي بالخطأ في الإجراء. هذا الخطأ يوجد ولو لم ينسب أي خطأ شخصي إلي القاضي، حيث قد يرجع إلى قيام أحد الخصوم بعمل إجرائي يلزم القيام به قبل الحكم.
ب– الخطأ في التقدير: القاضي عند إصدار الحكم لا يجب عليه فقط مراعاة مقتضيات صحته كعمل قانوني، بل يجب عليه أن يطبق إرادة القانون، فان لم يراعي ذلك فانه يكون بصدد ما يسمي الخطأ في التقدير، هذا الخطأ يوجد في جميع الحالات التي يخطئ فيها القاضي في تطبيق القانون الواجب التطبيق، سواء تعلق الأمر بخطأ في الواقع أو بخطأ في القانون.
ويكون الخطأ في الواقع عندما:
- لا تكون الواقعة قد تم إثباتها على نحو كاف.
- أو كان تقدير الواقعة الثابتة غير سليم
- أو تضمن الحكم عناصر واقعية غير سليمة.
أما الخطأ في القانون فيحدث عندما:
- يعتبر القاضي قاعدة قانونية معينة موجودة وهي لا وجود لها.
- أو بالعكس إذا اعتبر قاعدة غير موجودة وهي موجودة.
- أو إذا اعتبر القاعدة المجردة منطبقة على رابطة معينة أو مركز معين لا يخضع لها.
وبالتالي فاذا شاب الحكم خطأ في الإجراء فان هذا الخطأ يمكن أن يؤدي إلى بطلانه. أما إذا كان الحكم كعمل قانوني غير معيب ولكن به خطأ في التقدير، فانه ينتج أثارة القانونية، ولكن رغم صحته كعمل قانوني يكون غير عادل، إذ هو ينسب إلى المشرع إرادة ليست له. هنا تأتي مرحلة الطعن على الحكم بأوجه مختلفة مثل رفع دعوي بالبطلان أو الطعن على الحكم بالنقض أو سحب الحكم المطعون عليه، وفيما يلي نبذه عن كل منهم.
1- دعوي بطلان الحكم
تعتبر دعوي بطلان الحكم طريق استثنائي عن قاعدة وجوب التمسك بعيوب الحكم بطريق من طرق الطعن التي حددها القانون كمرحلة في الخصومة التي صدر فيها الحكم، ذلك أن السماح بهذه الدعاوي على إطلاقها يخالف التنظيم القانوني لطرق الطعن باعتبارها مرحلة في الخصومة التي انتهت بالحكم، ويؤدي إلى إلغاء الحكم الحائز لحجية الأمر المقضي وبالتالي إهدار حجيته على غير النحو الذي نظمه القانون.
ويلاحظ أن العيب الذي يبرر رفع دعوي بطلان هو دائنا خطأ في الإجراء، فالخطأ في التقدير مهما كانت جسامته لا يؤدي إلى بطلان الحكم وبالتالي لا يجيز رفع دعوي ببطلانه.
- أما الحالات التي يمكن فيها – استثناء – رفع دعوي بطلان ضد الحكم بسبب أن الحكم غير صالح لأداء وظيفته فهي حالات لم يحددها المشرع مقدما، وإنما كانت لاجتهاد الفقه والقضاء. واهمها:
- صدور الحكم من شخص ليس له ولاية القضاء. وذلك كالحكم الذي يصدر من هيئة خولف فيها التكوين العددي كما لو كان القانون يتطلب صدور الحكم من ثلاثة مستشارين فصدر من هيئة مكونة من اثنين، أو الحكم لذي يصدر من عضو نيابة عامة لم يصدر بعد قرار جمهوري بتعيينه قاضيا، أو الذي يصدر من شخص كان قاضيا وزالت عنه ولاية القضاء كأن يكون قد عزل أو قبلت استقالته، أو من شخص عين قاضيا بغير الطريق الذي ينص عليها القانون.
- صدور حكم في مسألة تخرج عن ولاية القضاء كما لو صدر في عمل من أعمال السيادة، أو في مواجهة شخص لا يخضع لولاية الدولة. أو من محكمة استثنائية خارج حدود ولايتها، كما لو صدر حكم من المحكمة العسكرية لهيئة الشرطة بالإدانة في جريمة من جرائم القانون العام، أو من جهة قضاء عادية كجهة المحاكم في مسألة تخرج عن ولايتها وتدخل في ولاية جهة قضاء أخري أو محكمة استثنائية، أو من جهة صاحبة ولاية خاصة بموجب قانون معين حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته.
- صدور حكم من قاض يقوم به سبب من أسباب عدم الصلاحية، وتقبل دعوي بطلان اصليه لحكم شارك في إصداره قاضي سبق له أن شارك في إصدار فتوي من مجلس الدولة بشأن نفس الدعوي.
- إذا كان أحد طرفي الخصومة ليس له أي وجود قانوني. كما لو رفعت الدعوي من شركة لم تتكون بعد، أو رفعت من شخص توفي قبل رفعها أو على شخص متوفي. ذلك أن عدم وجود أحد طرفي الخصومة يمنع الحكم من تقرير أي رابطة أو مركز قانوني بينهما. أما إذا وجد الخصمان وتوفي أحدهما أو زالت شخصيته القانونية فلا يجوز رفع دعوي ببطلان الحكم.
- إذا كان الحكم خاليا من أي منطوق أو تضمن منطوقا ولكن به تعارض بحيث لا يعرف القرار الحقيقي.
- إذا لم يكتب الحكم، أو إذا كتب الحكم دون أن يوقعه رئيس الدائرة، ذلك أن الكتابة لا تدل على إصرار كاتبها عليها دون توقيعه. هذا فضلا على أن توقيع الحكم هو لدليل الوحيد على صدوره من قاض.
- مخالفة مبدأ المواجهة. كما لو صدر علي خصم لم يعلن بصحيفة الدعوي أو خلت الصحيفة المعلنة من تحديد جلسة لنظر الدعوي مما حال بينه وبين الحضور أمام المحكمة، أو شخص استعمل أخر اسمه وحضر بدلا منه لكي يصدر الحكم ضد الخصم دون سماع دفاعه. وفي هذه الحالة إذا لم يكن هناك أي طريق طعن ضد الحكم فيمكن رفع دعوي ببطلانه.
- إذا صدر الحكم مخالفا لحكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي بين ذات الخصوم أنفسهم وعن ذات الموضوع.
وترفع دعوي البطلان الأصلية أمام المحكمة التي أصدرت الحكم أيا كانت سواء محكمة أول درجة أو محكمة استئناف أو محكمة النقض، كما يمكن التمسك بهذا البطلان أيضا بصورة دفع أو طلب عارض في أي دعوي يجري التمسك فيها بحجية الحكم. ويجوز إثارته من تلقاء نفس المحكمة لتعلقه بالنظام العام، وإذا تعلق الأمر بحكم له القوة التنفيذية، فيمكن التمسك بهذا البطلان عن طريق المنازعة في تنفيذه أمام المحكمة المختصة بالمنازعة.
وتقتصر سلطة المحكمة على القضاء ببطلان الحكم أو بانعدامه، دون أن يتعداه إلى نظر موضوع الخصومة التي كان قد صدر فيها.
2- التماس إعادة النظر
التماس إعادة النظر هو طريق من طرق الطعن الخاص الذي ينظمه القانون في الأحكام النهائية، ويرفع إلي نفس المحكمة التي أصدرت الحكم ويرمي إلى معالجة ما يرد في هذه الأحكام من خطأ في تقدير الوقائع، إذا كان هذا الخطأ قد أدي إلى التأثير في قرار القاضي بحيث ما كان يصدر على النحو الذي صدر به لو لم يقع في هذا الخطأ. وهو بذلك يقابل طريق الطعن بالنقض، فالنقض لمواجهة الخطأ في القانون، أما إعادة النظر لمواجهة الخطأ في الواقع.
الأحكام القابلة لإعادة النظر
يقبل الطعن بالتماس إعادة النظر كل حكم يصدر غير قابل للطعن بالاستئناف، ذلك انه إذا كان الحكم يقبل الاستئناف فيمكن معالجة الخطأ في الواقع المشوب به دون الحاجة لطريق إعادة النظر، يستوي في ذلك أن يكون الحكم قابلا للطعن بالنقض أو غير قابل له، كما لا يحول دون قبول التماس إعادة النظر سبق الطعن علي الحكم بالنقض ولو كانت أسبابه ترديدا لأسباب الالتماس
وعلى هذا فان الأحكام التي تقبل إعادة النظر هي:
أ- الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولي سواء كانت محكمة ابتدائية أو جزئية. فاذا كان الحكم قد صدر قابلا للطعن بالاستئناف، وفاتت مواعيد الاستئناف فلا يكون هناك موضع لالتماس إعادة النظر.
ب- الأحكام الصادرة من المحاكم الاستئنافية.
أسباب إعادة النظر
نظرا لكون التماس إعادة النظر طريق غير عادي من طرق الطعن، لذلك فان أسبابه تم النص عليها في القانون على سبيل الحصر وهي:
- إذا وقع من الخصم غش أثر في الحكم، وقد عرفت محكمة النقض هذا الغش بانه الذي يتم بعمل احتيالي يقوم به الملتمس ضده وينطوي على تدليس يعمد إليه الخصم ليخدع المحكمة ويؤثر في عقيدتها فتتصور الباطل صحيحا وتحكم بناء على هذا التصور لصالح من ارتكب الغش.
- إذا كان الحكم قد بني علي أوراق ثبت فيما بعد تزويرها أو على شهادة حكم فيما بعد بانها مزورة.
- ظهور أوراق قاطعة في الدعوي بعد صدور الحكم كان الخصم المحكوم له قد احتجزها أو حال دون تقديمها.
- إذا قضي الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه.
- إذا كان منطوق الحكم مناقضا لبعضه البعض. والمقصود هنا هو التناقض في المنطوق وليس التناقض في الأسباب.
- الحكم على شخص لم يمثل تمثيلا قانونيا صحيحا في الدعوي. كأن يكون المحكوم عليه شخص اعتباري لم يمثله من له سلطة تمثيله قانونا، أو شخص طبيعي لم يصح تمثيله في الخصومة كالقاصر دون أن يمثله وصيه أو وليه.
- إذا كان الحكم حجة على شخص دون أن يكون قد ادخل أو تدخل في الخصومة، إذا اثبت هذا الشخص غش من كان يمثله فيها أو تواطؤه أو إهماله الجسيم.
3- الطعن بالنقض
تقوم محكمة النقض بوظيفتين أساسيتين:
- المحافظة على وحدة تفسير القواعد القانونية التي تطبقها جهة المحاكم، وبهذا التفسير تتأكد وحدة القانون الذي تطبقه هذه المحاكم، كما يتأكد – عمليا – مبدأ مساواة الأفراد أمام القانون.
- بمراقبة تطبيق المحاكم للقانون، ولا تعمل محكمة النقض فقط على تأكيد احترام القواعد الموضوعية بل أيضا القواعد الإجرائية. فمحكمة النقض تراجع من ناحية تطبيق القواعد الموضوعية للتأكد مما إذا كانت القاعدة المطبقة موجودة من الناحية المجردة، وما إذا كانت هذه القاعدة تنطبق على الحالة المحددة. وهي من ناحية أخري، تتأكد من احترام المحاكم للقواعد القانونية التي تحكم نشاطها، أي تراقب احترام القواعد الإجرائية.
ويمكن حصر مهام محكمة النقض بطريقة مبسطة في:
- البحث حول مخالفة الحكم للقانون، والموافقة أو عدم الموافقة على تطبيق قاضي الموضوع للقانون، فليس من مهمتها بعد نقض الحكم نظر الموضوع لإحلال حكم جديد محل الحكم الذي ألغته. على أن هذه النتيجة لا تأخذ بها بعض التشريعات في كل الأحوال (مثل التشريع المصري).
- لا تعيد محكمة النقض نظر النزاع ولا تنشغل بالوقائع التي أكدها الحكم المطعون فيه، بل عليها أن تقبل الوقائع كما أكدها هذا الحكم وتري ما إذا كان القانون الذي طبق عليها موجودا وما إذا كان تطبيقه سليما.
أسباب الطعن بالنقض
قد يختلط على بعض القانونين في بداية عملهم بالتقاضي أسباب الطعن بالنقض، فترد على أعمالهم الأولي إدراج أسباب قد تكون عله لرفض الطعن وضياع فرصته إن لم يجدوا التوجيه والإرشاد المناسب.
ولان النقض طريق طعن غير عادي، فلا يكفي بشأنه توافر الخسارة لدي الطاعن بل يجب أن يوجد في الحكم – إلى جانب الخسارة – أحد العيوب المحددة التي نص عليها القانون، كما لا يكفي الإشارة إلى هذه العيوب بصيغة عامة، بل يجب أن يحدد العيب في الحكم بحيث يكون متفقا مع تحديد القانون لهذا العيب، ويمكن إجمال أسباب الطعن في:
السبب الأول: مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله
ويقصد بمخالفة القانون إنكار وجود قاعدة قانونية موجودة، أو تأكيد وجود قاعدة لا وجود لها، وفي هذه الحالة يلزم توافر رابطة سببية بين المخالفة وقرار المحكمة في القضية بان تكون المخالفة مؤثرة في القرار، كما يقصد بالخطأ في تطبيق القانون تطبيق قاعدة قانونية على واقعة لا تنطبق عليها، أو تطبيقها عليها على نحو يؤدي إلى نتائج قانونية مخالفة لتلك التي يريدها القانون، أو برفض تطبيقها على واقعة تنطبق عليها. أما الخطأ في تأويل القانون فيوجد عندما يخطئ القاضي في تفسير نص قانوني غامض.
السبب الثاني: بطلان الحكم
ويمس الحكم البطلان إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثرت في الحكم، فبالنسبة إلى البطلان الذاتي في الحكم فيتعلق بالحكم كنشاط، كأن لا تسمع المحكمة النيابة العامة حيث يجب سماعها أو إذا صدر الحكم من قاض لا تتوافر فيه الصلاحية لإصدار الحكم.
أما العيب في الإجراءات السابقة على الحكم فقد يكون عيبا موضوعيا مثل ما يتعلق بأهلية الخصوم أو تمثيلهم في الخصومة أو الإخلال بأحد الضمانات الأساسية كمبدأ الطلب أو مبدأ المواجهة أو حق الدفاع، وقد يكون عيبا شكليا مثل عدم اشتمال صحيفة الاستئناف على البيانات التي يجب توافرها.
السبب الثالث: الفصل في نزاع على خلاف حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي
ويعتبر هذا السبب خطأ في الإجراء على أساس أن المحكمة ليس لها ولاية الفصل في نزاع سبق الفصل فيه، إذ يترتب على صدور الحكم السابق إنكار سلطة أيه محكمة بعد ذلك في إعادة نظر النزاع الذي فصل فيه الحكم.
الشهادة المهنية في الملكات القانونية
لإكتساب مهارات صياغة المذكرات والمرافعات والطعون القضائية أنضم للمشاركين في شهادة المهارات القانونية العملية ( الملكات القانونية )