كانت عقارب الساعة تشير للخامسة من بعد ظهر الأربعاء 22 أغسطس 1987، كان وقتها رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الشهير بنضاله بشخصية «حنظلة» وريشته الموجعة الساخرة فى طريقه إلى مكتب جريدة «القبس» بشارع «إيفز» بوسط لندن، وكان يسير بجواره شاب يرتدي سترة زرقاء، بعد ثوانٍ سمع دوى طلق نارى، نظر زميله من نافذة المكتب فرأى ناجي مضرجا فى الدماء على الأرض، ومطلق الرصاص يلوذ بالهرب من المكان !
ذكرى استشهاد ناجي العلي.. و«حنظلة» مازال حيًا في الضمير الفلسطيني
عاطف النمر
كانت عقارب الساعة تشير للخامسة من بعد ظهر الأربعاء 22 أغسطس 1987، كان وقتها رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الشهير بنضاله بشخصية «حنظلة» وريشته الموجعة الساخرة فى طريقه إلى مكتب جريدة «القبس» بشارع «إيفز» بوسط لندن، وكان يسير بجواره شاب يرتدي سترة زرقاء، بعد ثوانٍ سمع دوى طلق نارى، نظر زميله من نافذة المكتب فرأى ناجي مضرجا فى الدماء على الأرض، ومطلق الرصاص يلوذ بالهرب من المكان !
تحقيقات الشرطة البريطانية أكدت أن مطلق النار كان يسير بمحاذاة ناجي العلي، اخترقت رصاصاته صدغ وجه ناجى العلى وخرجت من الصدغ الأيسر، تأخرت سيارة الإسعاف بسبب الزحام، وتم نقل ناجى العلى لغرفة العناية المركزة بمستشفى «سانت ستيفنز»، كان فى غيبوبة تامة، ثم نقل لمستشفى «تشارنج كروس» التى لفظ بها أنفاسه الأخيرة بعد 38 يوما من دخولها، وطيرت وكالات الأنباء خبر استشهاده بعد فشل محاولات إنقاذه ! والمثير فى تلك المأساة الدامية أن ناجى العلى كان قد أوصى أسرته بأن يدفن بجوار والديه فى مخيم «عين الحلوة» بالقرب من مدينة صيدا اللبنانية، لكن أسرته لم تنجح فى تنفيذ وصيته، وأقيمت الصلاة على جثمانه بمسجد المركز الثقافى الإسلامى بوسط لندن ودُفن فى الثالث من سبتمبر 1987 بمقبرة «بروك وود» الإسلامية بالعاصمة البريطانية، وانتصب العلم الفلسطينى فوق قبره.
37 عاما مرت على استشهاد ناجي العلي الذى جسد شخصيته النجم نور الشريف فى فيلم سينمائى كتبه بشير الديك ومن إخراج عاطف الطيب، وهو الرسام الفلسطيني الأشهر فى نضاله بالريشة وخصية «حنظلة» التى ابتكرها وكان يراقب بها الأوضاع فى فلسطين والعالم العربي، ولم يعرف الجهة التى تقف وراء تصفيته وإسكات ريشته للأبد، لكن عائلته أصدرت فى 9 سبتمبر من عام 1987 بياناً من لندن قالت فيه: «اغتالوا ناجى الفنان الملتزم بقضية فلسطين، لأن ريشته أدّت دوراً هائلاً ومؤثراً فى القضية الفلسطينية، فنه العظيم كان ينبع من الجماهير ويصبّ فى بحرها، كان ابناً باراً لكل الناس الطيبين، شكلت رسوماته طاقة جبارة أزعجت كثيرين، لكنها كانت تمثل نبض الإنسان الفلسطينى المعذب وخلجات كل عربى متضامن مع المقدسات الفلسطينية، فدفع الثمن غالياً من حياته وقبل استشهاده ودفعنا نحن عائلته الثمن إبعاداً ونفياً، إلى خارج الوطن العربى بأسره إلى لندن».
الصعب فى استشهاد ناجى العلى أن جثمانه لم يدفن فى مسقط رأسه بقرية الشجرة الفلسطينية المحتلة مثل فلسطين كلها من الكيان الصهيونى، ولم يدفن فى عين الحلوة بلبنان كما أوصى، وهو الملقب بضمير الثورة الفلسطينية المقاوم برسوماته للاحتلال والاضطهاد ومصادرة الأراضى والتوسع الاستيطانى، كان يناضل برسوماته ضد التهجير والإبعاد والقسرى، وكان يرى أن الصهيونى لا عهد له، وكان يرى أن المصالحة سوف تتيح للمستوطنين التهام الأرض وبناء المزيد من المستوطنات.
عاش ناجى العلى كل مراحل المأساة الفلسطينية بداية من النكبة الأولى، وحرب 1956، ونكسة 1967، وانتصار السادس من أكتوبر عام 1973، وغزو لبنان، وكانت ريشته التى جسد بها شخصية «حنظلة» شاهدا على الواقع المرير الذى تعيشه فلسطين، ويئس مما يجرى بها، فرسم لوحة تعبر على أن فلسطين مجرد فيلم سينمائى بلا جمهور والفلسطينى يحمل ابنه الذى ينزف دما وهو يخرج به من صالة السينما ومن خلفه لوحة «النهاية»! لكن حالة اليأس تبدلت عند ناجى العلى بفعل شباب المقاومة الذين يجاهدون بأى شيء فى مواجهة الاحتلال، فرسم «حنظلة» وهو يشاهد الفلسطينى المتشبث بأظافره فى الأرض بتصميم يؤكد أنه لن يترك أرضه ولن يغادر وطنه حيًا أو شهيدًا، رحم الله ناجى العلى الذى كانت تحتاجه مأساة غزة والضفة اليوم ليوثق بريشته ومشاعره الفياضة جرائم الكيان الصهيونى.