سلط موقع يني شفق التركي، الضوء على أول تحدٍ كبير يواجه التقارب الأخير بين مصر وتركيا في ليبيا، بالنظر إلى الأزمة السياسية المستمرة في الدولة التي مزقتها الحرب الأهلية إلى شرق مقابل غرب.

وذكرت صحيفة الجارديان أن الخلاف حول البنك المركزي الليبي أدى إلى اضطرابات واسعة النطاق في إنتاج النفط في ليبيا، مما يهدد بأزمة حادة في دولة مصدرة رئيسية للطاقة منقسمة بين الفصائل المتنافسة في الشرق والغرب منذ سنوات. واشتد الصراع عندما حاولت الفصائل الغربية الإطاحة بمحافظ البنك، الصديق الكبير، مما دفع الفصائل الشرقية إلى وقف إنتاج النفط بالكامل.

وأصبح الوضع متشابكًا لدرجة أنه بينما احتفظ الكبير بالسيطرة على موقع البنك على الإنترنت، أصدر مجلس منافس عينه المجلس الرئاسي بيانات من خلال صفحة البنك الموثقة على فيسبوك.

وكانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، مؤخرًا، والتي كانت ردًا على زيارة نظيره التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة في فبراير الماضي، تهدف بالأساس إلى إعادة بناء العلاقات المتوترة على مدى العقد الماضي بين القاهرة وأنقرة، وناقش الرئيسان قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك الملف الليبي.

وأشار السيسي إلى أنه تبادل مع أردوغان وجهات النظر بشأن الأزمة الليبية واتفقا على أهمية استقرار ليبيا من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإخراج القوات الأجنبية غير الشرعية والمرتزقة، وإنهاء أنشطة الفصائل المسلحة. وأكد على ضرورة حل الأزمة لإنهاء الانقسام وتحقيق الأمن والاستقرار.

ولكن تقرير الجارديان لفت إلى أن البلدين على جانبين متعارضين في الصراع الليبي، ويدعمان الفصائل المتنافسة منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، ففي حين تدعم تركيا حكومة الدبيبة في غرب ليبيا، تدعم مصر الجيش الوطني الليبي في الشرق الذي يهيمن على السياسة في شرق ليبيا.

ورجحت صحيفة الجارديان أنه إذا لم تتمكن القاهرة وأنقرة من التوفيق بين نهجيهما لإنهاء الانقسامات السياسية في ليبيا، فقد يثبت وعد عصر جديد من التعاون الأوسع أنه فجر كاذب.

كان البنك المركزي الليبي أحد المؤسسات القليلة العاملة في ليبيا، وعارضت القوى الغربية إقالة محافظه، واعتبرته مصدرًا للاستقرار وسافر رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين إلى طرابلس مباشرة بعد قمة أردوغان – السيسي، لإقناع رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة إما بإعادة الكبير مؤقتًا لمنصبه كرئيس للبنك المركزي، أو إيجاد إجماع على مجلس إدارة جديد لقيادة البنك.

وأشار المراقبون إلى أن الصراعات الداخلية في ليبيا مدفوعة بعائلات النخبة التي تتنافس على الموارد الاقتصادية، مما يغير حسابات تركيا، أو على الأقل يغير نهجها كما سلطوا الضوء على الشراكة المالية المتنامية بين الشركات التركية والليبية في الشرق، بما في ذلك مشروع مصنع كبير للصلب والحديد في بنغازي وفي حين من غير المرجح أن تقدم تركيا نفس المستوى من الدعم العسكري لحكومة طرابلس، فإن التخلي عن دعم محاولة الدبيبة للسيطرة على البنك المركزي سيكون تنازلًا كبيرًا.

ودعا سفراء الأمم المتحدة والغرب إلى حل الأزمة من خلال الإجماع، وربما يشمل ذلك العودة المؤقتة للكبير لمنصبه، وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها ستستأنف يوم الأربعاء المقبل، تيسير المشاورات بين ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الشرق، والمجلس الرئاسي في طرابلس.

وأكدت البعثة أن الوقت حاسم في التوصل إلى حل توافقي للأزمة وتخفيف آثارها السلبية. وطلبت الأطراف المعنية تأجيل الاجتماع إلى الأربعاء المقبل لمزيد من المشاورات.

وفي الوقت نفسه، حثت سفارات الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة في ليبيا الأطراف الليبية على تقديم تنازلات لاستعادة سلامة المؤسسات واستقرارها فيما يتعلق بإدارة البنك المركزي.

وكانت صحيفة الجارديان البريطانية قد أشارت إلى التحالف الجديد بين مصر وتركيا، والذي يهدف إلى إنهاء خلافاتهما المستمرة منذ فترة طويلة حول الأحداث في الشرق الأوسط، يواجه أول اختبار حقيقي له في شكل أزمة سياسية متفاقمة في ليبيا مرتبطة بالسيطرة على ثرواتها النفطية.

وبدأت القطيعة بين مصر وتركيا في أعقاب الربيع العربي عام 2011، وذلك في المقام الأول بسبب تحالف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع تنظيم الإخوان، وبلغت ثلاث سنوات من التقارب ذروتها الأسبوع الماضي عندما قام السيسي بزيارة أنقرة وعقد مباحثات مع أردوغان وهناك وقع البلدان أكثر من ثلاثين مذكرة تفاهم تهدف إلى زيادة التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار (11.5 مليار جنيه إسترليني) على مدى خمس سنوات وجمعت بين البلدين الحاجة إلى تعزيز اقتصاديهما، فضلًا عن القلق بشأن الحرب في غزة.

الجدير بالذكر أن تركيا أرسلت المعدات والقوات في عام 2019 عندما بدا الأمر وكأن طرابلس ستسقط في هجوم شنه الجيش الوطني الليبي الذي يحظى بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا.

في اجتماع الأربعاء الماضي في أنقرة، اتفق السيسي وأردوغان على طي الصفحة وإعادة ضبط إعدادات سياستهما تجاه ليبيا، لكن الآثار العملية لمثل هذا الهدف الجريء ظلت غامضة.

ويتمثل التحدي الفوري في حل أزمة جديدة بشأن الموارد الليبية والتي اندلعت قبل ثلاثة أسابيع بعد إقالة محافظ البنك المركزي الليبي، صادق الكبير. وقد فر إلى منفى اختياري في تركيا، قائلًا إنه يخشى على حياته بعد إقالته من قبل هيئات سياسية مرتبطة بأنصار الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

يشرف البنك المركزي على التوزيع الداخلي لأكبر ثروة نفطية في أفريقيا، ولديه 80 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. يعتقد دبيبة أن الكبير أصبح ناقدًا للغاية لإنفاق حكومته المدفوع بالفساد، وقد غير موقفه من خلال توجيه الأموال إلى الشرق. لكن الكبير أشار إلى أن الإنفاق الحكومي لعام 2024 كان من المقرر أن يكون أعلى بنسبة 37.5٪ من الإيرادات.

مع مطالبة شرق ليبيا بعودة الكبير واستنكار إقالته باعتبارها غير دستورية، أدى المأزق إلى إغلاق العديد من حقول النفط وتجميد العديد من معاملات النقد الأجنبي للبنك المركزي من قبل البنوك العالمية، والتي تحت الضغط الأمريكي لن تدعم إقالة الكبير.

وفي إشارة إلى أهمية ليبيا للعلاقات المستقبلية بين تركيا ومصر، طار رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين إلى طرابلس فورًا بعد قمة أردوغان والسيسي ويبدو أن كالين حاول إقناع الدبيبة بالسماح للكبير بالعودة إلى منصبه بشكل مؤقت، أو إيجاد مجلس إدارة جديد بالإجماع لرئاسة البنك.

وقال أحد المراقبين: “عاد المجتمع الدولي إلى وضع الأزمة الكامل بشأن ليبيا لأنهم يدركون أن مشاكلها الاقتصادية قد تنهار بسرعة كبيرة، وتتحول إلى دولة فاشلة أخرى في البحر الأبيض المتوسط”، مضيفًا أن التداعيات الأمنية فيما يتصل بالهجرة وعدم الاستقرار تشكل أهمية بالغة ولكن لا توجد حتى الآن خطة طويلة الأجل لحل الانقسامات في ليبيا، والمشكلة هي أن المصالح المالية للنخبة عملت لسنوات على إفراغ المسألة الليبية من مضمونها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *