يكتنف الغموض مستقبل حزب الله اللبناني بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله في قصف إسرائيلي نفذته مقاتلات “إف-35” التي ألقت قنابل خارقة للتحصينات تزّن طنًا، على مقر القيادة المركزية للحزب بالضاحية الجنوبية لبيروت، أمس الجمعة.
وذكرت صحيفة “ذا تليجراف” البريطانية، أن عملية استهداف “نصر الله” بدأت بسلسلة من الضربات الاستباقية الدقيقة، والتي هدفت إلى شلّ القيادة العسكرية لحزب الله، وإضعاف صفوفه، وتقويض قدراته على التواصل الفعّال، إضافة إلى زرع الخوف بين عناصره.
ووصلت هذه العملية إلى ذروتها مع هجوم واسع النطاق في بيروت، أدى إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
ويأتي القصف الضخم على ضاحية بيروت الجنوبية، عقب أسبوع، شهد غارات جوية تعد من أوسع العمليات العسكرية نطاقًا في القرن الواحد والعشرين، وفقًا للصحيفة البريطانية.
وبعد أن لفتت تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي اهتمام العالم، قبل أسبوعين، قالت الصحيفة إن هذه العملية كانت جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أكبر، شرعت فيها قوات الاحتلال بالفعل في حملة اغتيالات واسعة، استهدفت رأس حزب الله وأكبر عدد ممكن من قياداته العليا.
وانطلقت هذه الحملة بضربة قوية في الصيف، إذ استهدفت غارة جوية إسرائيلية فؤاد شكر، القائد العسكري العام لحزب الله، في معقله بجنوب بيروت، ما أسفر عن اغتياله، وذلك قبل أن تأتي الضربة الأكثر تأثيرًا، أمس الجمعة، باغتيال نصر الله.
ونقلت الصحيفة عن لينا خطيب، الباحثة في مؤسسة “تشاتام هاوس” الفكرية، أنه لم يسبق أن تتابعت عمليات الاغتيال بهذه السرعة، مضيفة “هذه بالتأكيد ضربة أشد وطأة، وستتسبب في ارتباك كبير في صفوف حزب الله”.
ويُعرف كبار القادة العسكريين لحزب الله داخل الحركة بـ”الأشباح التي لا يمكن تعقبها” لشدة سريتهم، ومع ذلك يبدو أن إسرائيل تعرف بالضبط متى وأين يجتمعون وكيف تستهدفهم متى شاءت، وفقًا لـ”ذا تليجراف”.
وحسب الصحيفة، يعتقد الخبير في شؤون حزب الله بالجامعة الأمريكية في بيروت، هلال خشان، أن الجماعة “تعرضت لاختراق كبير”، قائلًا: “المسألة ليست مجرد اختراق من قبل إسرائيل، بل هي مسألة تغلغل عميق”.
وبعد أن كان حزب الله منظمة صغيرة ومتماسكة، توسعت بسرعة، خلال العقد الماضي، مما عرضها للتجسس، وفقًا لـ”خشان”، الذي أشار في هذا الجانب إلى دور الأزمة المالية العميقة في لبنان، والتي فتحت الباب أمام الإغراءات المالية داخل الحركة.
وأضاف خشان: “أصبح الفقر في لبنان أرضًا خصبة للجواسيس للعمل لصالح إسرائيل”.
وأشارت الصحيفة إلى أن معاناة حزب الله لن تقتصر في الفترة المقبلة، على حالة شديدة من الشكّ والريبة تجاه احتمال وجود جواسيس بين صفوفه، بل سيتعدى ذلك إلى فقدان الثقة في استخدام أي وسيلة تكنولوجية للتواصل، وعدم القدرة على تنسيق ردٍّ صاروخي أو حتى تنظيم الخدمات اللوجستية الأساسية.
ومع ذلك، استبعدت “ذا تليجراف” أن تكون عمليات الاغتيال كافية في حد ذاتها لردع حزب الله في مواجهة إسرائيل، مشيرةً إلى أنّ عددًا كبيرًا من القادة الذين يلعبون أدوارًا مهمة ما زالوا أحياء، في حين سيساعد الحرس الثوري الإيراني، الذي يشكل جزءًا من سلسلة القيادة في حزب الله، في تجديد الإمدادات القادة العسكريين.
وقالت مجلة” نيوزويك” الأمريكية، إنه بعد اغتيال “نصر الله” من قبل إسرائيل، ينتظر العالم ردَّ إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله.
ونقلت المجلة عن حميد رضا عزيزي، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، أن “إيران لديها الآن خياران، وكلاهما سيئ للغاية.. الأول هو الدخول في حرب، وأي تحرك في هذه اللحظة من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل إسرائيلي هائل، وسلسلة من ردود الفعل التي من شأنها أن تؤدي بالتأكيد إلى حرب أكبر، والتي أوضحت إسرائيل أنها مستعدة لها”.
وأضاف “عزيزي” أن الخيار الآخر هو “عدم القيام بأي شيء وانتظار الجهود الدولية لوقف الحرب في غزة ولبنان، والتي لا يبدو أنها فعّالة حقًا، وهذا من شأنه أن يجعل طهران تخسر كل هذه الجبهات التي كانت تبنيها في المنطقة، من لبنان إلى سوريا”.
وذكرت صحيفة “ذا جارديان” البريطانية، أن من يحل محل نصر الله سيضطر إلى التعامل مع جماعة فقدت خلال العام الماضي كل قياداتها العسكرية العليا تقريبًا، وهي الآن في وضع حرج بسبب حملة القصف الإسرائيلية.
ونقلت شبكة “سي. إن. إن” الأمريكية، عن حنين غدار، زميلة بارزة في معهد واشنطن: “لقد تلقى حزب الله أكبر ضربة لبنيته التحتية العسكرية منذ تأسيسه، فبالإضافة إلى خسارة مستودعات الأسلحة والمرافق، خسرت الجماعة معظم قادتها الكبار، كما انكسرت شبكة اتصالاتها”.
وأضافت “غدار” أنه إذا تم تفكيك قيادة الجماعة بشكل حقيقي وتعطيل التنسيق بين إيران وحزب الله، فقد يدفع ذلك الحرس الثوري الإيراني إلى تولي زمام المبادرة.
وتابعت: “سيتعين على قادة إيران أن يجدوا طريقة للقيام بذلك بأنفسهم، لكن هذا ليس خيارًا سهلًا لأنهم سيصبحون أهدافًا، وهم لا يفهمون لبنان”.
وقالت أمل سعد، الخبيرة في شؤون حزب الله والمحاضِرة في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة كارديف في ويلز، لـ”سي إن إن”، إن استهداف نصر الله يمثل إحباطًا هائلًا بين صفوف حزب الله وأنصاره.