بالأمس حلت الذكرى الرابعة والعشرين على استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة بين أحضان أبيه، في مشهد مفجع ظل أيقونة انتفاضة الأقصى الثانية، لطفل قتله جندي إسرائيلي بدم بارد، والتقطته عدسات الكاميرات في 30 سبتمبر عام 2000.

استشهاد محمد الدرة كان بمثابة حدث أيقظ النفوس الغافلة عن آثام هذا الاحتلال الإسرائيلي المجرم، فكان بمثابة الجريمة الكبرى حينها التي غلت لها الدماء في العروق بقدر ما أرقيت على الأرض.

مرت الأيام والسنوات، وحلّ السابع من أكتوبر عام 2023، حينما قررت المقاومة الفلسطينية إحياء القضية التي يحاول الاحتلال جاهدًا دفنها تحت الرمال، فشنوا عملية طوفان الأقصى في الداخل الإسرائيلي المحتل، ليكون الرد أقسى مما تتخيله العقول والأذهان.

بطش جنود الاحتلال جبارين في الأرض، فسفكوا الدماء، ورمّلوا النساء، ويتّموا الأطفال، بل والأكثر من ذلك أثقلوا الوديان بدماء الأطفال والرضعّ، فتبدّل لون الثرى إلى الأحمر القاتم، وكل حبة في الأرض تقطر دمًا وتفجع قلوبًا أصابها القهر وخارت قواها.

آلاف مثل محمد الدرة في غزة
ومع اقتراب حلول عام من حرب غزة المروعة، باتت الحقائق المتعلقة بأطفال غزة أشدّ ألمًا، وصار هناك الآلاف مثل محمد الدرة لحقوا به في مواكب الشهادة، بعد أن سقطوا والخوف في أعينهم الصغيرة، التي دارت وهي تغشى الموت، الذي رأته مبصرة وأحسته قلوبهم الصغيرة، وسمعتهم الآذان الصغيرة، التي قُدر أن تسمع صوت القصف بدلًا من صوت معزوفات الصغار.

فما بين رجل أغار الاحتلال على بيته فتركه وحيدًا وقتل زوجته وأولاده، ورجل آخر وقف يائسًا فوق ركام بيته يبحث عن أبنائه الأربعة، الذين فُقدوا تحت الأنقاض، وصحفية استشهدت رفقة طفليها، ورجل فقد أبناءه الأربعة التوائم، الذين انتظرهم لسنوات بعد شهر واحد من ولادتهم، وأسر بأكملها أبيدت تحت ضربات القصف وغارات الانتقام.. كل تلك كانت مشاهد حقيقية عرفتها غزة على مدار عام كامل، ولم تكن مجرد مبالغات من كاتب هذا النص.

حقائق مفزعة عن أطفال غزة
ووفقًا لحصيلة رسمية صدرت عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد سقط 16 ألفًا و891 طفلًا شهيدًا من بين 41 ألفًا و615 شهيدًا سقطوا في قطاع غزة إلى حدٍ الآن، ممن وصلوا إلى المستشفيات، فيما يُرجح أن يكون رقم الضحايا أكبر من ذلك.

وتلك الحصيلة المسجلة خاصة بحصاد ضحايا العدوان خلال 360 يومًا أي قبل ستة أيام فقط من بلوغ عام كامل من الحرب.

والنسبة الخاصة بشهداء العدوان الإسرائيلي على غزة من الأطفال تفوق نسبة 40% من إجمالي الشهداء الذين سقطوا في غزة.

كمان أن 69% من الضحايا في حرب غزة ككل هم من الأطفال والنساء، بحسب ما ذكره المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وتشير إحصائيات حرب الإبادة الجماعية في غزة إلى أن هناك 171 طفلًا رضيعًا ولدوا واستُشهدوا خلال حرب غزة.

وإلى جانب ذلك، هناك 710 أطفال استشهدوا خلال الحرب وعمرهم أقل من عام، كما راح 36 طفلًا في غزة ضحية المجاعة، التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي ضمن حصاره الكامل على القطاع.

ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي، فهناك في غزة 25 ألفًا و973 طفلًا يعيشون بدون أحد والديهم أو كلاهما، والذين ارتقوا أثناء حرب الإبادة الجماعية، كما أن هناك 3500 طفل، هم معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.

هكذا هو حال أطفال غزة، الذين يعيشون أسوأ الأوضاع على وقع عدوان لا يعرف رحمة، ولا تعرف له البشرية وصفًا، بل فاق في إجرامه شريعة الغاب وسلوك الجوارح المفترسة.