لازالت ردود الأفعال مستمرة حول موافقة مجلس العموم فى بريطانيا على قانون الموت بمساعدة الغير، بإعتباره يمهد لتغيير تاريخى، حيث اعتبر فقهاء دستوريين وخبراء القانون في أوروبا أن عملية التصويت جاءت الأكثر أهمية فى السياسات الاجتماعية منذ تقنين الإجهاض فى ستينيات القرن الماضى، حيث أن النواب قاموا بخطوة تاريخية بالموافقة على تشريع “الموت بمساعدة الغير” فى إنجلترا وويلز ، بالتصويت لصالح مشروع قانون يدعم البالغين المرضى بأمراض مستعصية، الذين أمامهم فرصة للعيش ستة أشهر أو أقل بإنهاء حياتهم.

عملية التصويت جاءت بعد خمس ساعات من النقاش الحامى والعاطفى، والذى شهد بكاء بعض أعضاء البرلمان، ليتم الموافقة على تشريع “البالغين المرضى بأمراض عضال (نهاية الحياة) بتأييد 330 ورفض 275 فى مجلس العموم، وكانت النتيجة بأغلبية أكبر مما توقع كثيرون، بعدما تعرض تشريع مماثل للهزيمة فى 2015، وبموجب شروط التشريع، فإن المرضى بأمراض مستعصية ممن يتوقع أن يعيشوا 6 أشهر أو أقل يمكن أن يلجأوا لمساعدة لإنهاء حياتهم، بعد موافقة طبيبين وقاضى بالمحكمة العليا على قرارهم، وحصل النواب على “تصويت حر” فى هذه القضية، مما يعنى أنهم صوتوا وفقا لضمائرهم ولم يكن عليهم إتباع سياسات أحزابهم.

إقرار قانون “الموت بمساعدة الغير” يمهد لتغيير تاريخى فى بريطانيا

في التقرير التالى، يلقى “برلماني” الضوء على إشكالية القتل الرحيم أو القتل شفقة بالمجني عليه بعد عملية التصويت الأخيرة، وكذا بعد حكم المحكمة الدستورية العليا في المانيا عام 2020 بعدم دستورية تجريمه في الوقت الذي خلقت فيه هذه المسألة حول القتل الرحيم جدلا عالميا بين مؤيد لهذه الفكرة ومعارض لها، فالذين يؤيدونها يرون أنها تحد من معاناة المرضى وتنهيها وتحد من معاناة أسرته وأحبائه، والذين يعارضونها يرون أنها تخالف الدين وتتنافى مع ما جاءت به منظمات حقوق الإنسان، إذ تنتهك “حق الحياة” والذي يعد أسمى الحقوق، لكن ألا يعد الموت بكرامة حقا أيضا من وجهة نظر البعض؟ – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.

في البداية – لابد من ذكر أن الحكومة البريطانية كانت منقسمة على القرار، وصوت وزراء حكومة بريطانيا الذين سيكونون مسئولون فى نهاية المطاف عن تنفيذ التشريع، كما أنه لا يزال التشريع يحتاج لبعض الوقت قبل أن يصبح قانونا، حيث تم بالفعل تقديم أكثر من 200 تعديل فى مجلس العموم ومجلس اللوردات، مما يعنى أنه سيخضع لتدقيق مكثف، وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً من النواب لم يقدم سوى دعم مشروط فى القراءة الثانية، بشرط ألا يصوتوا لصالحه دون تعديلات كبيرة فى قراءته الثالثة – .

المحكمة الدستورية الألمانية تتصدى للأزمة وقت كورونا

 

هذا وقد سبق وأن قضت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا، في غضون مارس 2020 فترة فيرس كورونا، بعدم دستورية المادة 217 من قانون العقوبات الألماني، التي تحظر على العاملين في المؤسسات المتخصصة مساعدة المرضى الذين يعانون من أمراض لا أمل في الشفاء منها، على “الموت رحيم”، حيث أعلنت حينها أن المادة 217 من قانون العقوبات باطلة ولا تتوافق مع قواعد الدستور، وذلك عقب العديد من الدعاوى الدستورية التي تقدم بها أفراد يعانون من أمراض عضال وأطباء وكذلك مساعدون ضد حظر المساعدة على الموت الرحيم –

علاقة القتل الرحيم بالحالة الميؤوس من شفائها        

يجب أن نعلم أن الموت الرحيم أو القتل الرحيم ويعرف أيضاً باسم الانتحار بمساعدة طبية هو باختصار شديد عملية إنهاء حياة الشخص من قبل الطبيب أو من يقدم الرعاية الطبية، وعادة ما يقترن الموت الرحيم بحالة ميؤوس منها غالباً ما تكون مرض مستعصي يسبب الكثير من الألم، وتكون نهايته الوفاة على أي حال، وفي حالات أندر يتم تنفيذ القتل الرحيم مع أشخاص يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية غير قابلة للعلاج ويعتقدون أنهم غير قادرين على التأقلم معها –

وفى الحقيقة يتم القتل الرحيم من خلال طبيب أو أحد أهل المريض يحقن المريض بأدوية تسرع إنهاء حياته مثل جرعات زائدة من المسكنات والمهدئات أو مواد سامة، ومشكلة قتل المجني عليه رحمة به لتخليصه من آلم مرض لا خلاص منه من المشاكل القديمة التي لا تفتا أن تختفي ثم تعود إلى الساحة بشدة، وعلى الرغم من إعادة طرح قضية الموت الرحيم في العصر الحديث كقضية أخلاقية شائكة لاسيما بعد عملية التصويت في بريطانيا، وكذا حكم المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا عام 2020 وقت انتشار فيرس كورونا.

نشأة الموت الرحيم لدى اليونانيين

يجب أن نتحدث أولاَ عن مسألة نشأة الموت الرحيم تعود إلى فترات أقدم بكثير، حيث شهدت حضارات الشرق القديم حالات من القتل الرحيم للمصابين بالأمراض المستعصية، كما عرفت “اسبرطة” اليونانية القتل في المهد للأطفال الذين يعانون من إعاقات جسدية واضحة بهدف تخفيف العبء عن المجتمع، ويعود الجدل العميق حول القتل الرحيم إلى عصر أفلاطون الذي كان يؤيد إنهاء حياة المرضى بأمراض عقلية أو جسدية مستعصية، فيما عارض الفيثاغورثيون ذلك، وكانت ممارسة إعطاء السم للمريض من قبل الأطباء شائعة في تلك الفترة، لكن قسم أبقراط أبو الطب تضمن الامتناع عن هذه الممارسة –

الموت الرحيم في أوروبا   

وفي العصر الحديث مرَّ القتل الرحيم بفترات مختلفة من السماح بممارسته أو التسامح معه أو غض البصر عنه أو منعه نهائياً، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر سجل عدد كبير من الفلاسفة المشاهير تأييدهم أو رفضهم للموت الرحيم، ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت محاولات تقنين القتل الرحيم في سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية، ولقد ظهرت الكثير من الدعوات لتقنين الموت الرحيم في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وعلى الرغم من وضع قوانين تسمح بالموت الرحيم في أكثر من دولة أبرزها هولندا وبلجيكا فإن الجدل الأخلاقي والقانوني والديني ما زال قائماً حول فكرة إنهاء الحياة بكرامة أو القتل الرحيم –

إذ بالرغم من التقدم المذهل الذي حققته البشرية في علوم الطب إلا أن العلم في كثير من الأحيان يقف عاجزا عن علاج الناس وتخفيف آلامهم بسبب بعض الأمراض المستحدثة والفيروسات الخبيثة، فيعاني الأنسان ويتعذب بل ينهار ويطلب من أقرب الناس إليه بل ومن الأطباء ذاتهم إنهاء حياته ليتخلص من آلامه ومن الأطباء والرفاق من يضعف أمام الحاح المريض واليأس من علاجه، فيساعده علي إنهاء حياته، ووجه المشكلة أن الجاني ليس مجرم بل صاحب قلب رحيم وأنه فعل فعلته بناء على رضا ورغبة المجني عليه فالباعث نبيل والقلب رحيم وهناك ضغط على ارادة الجاني قد يصل إلى الإكراه المعنوي لاسيما إذا كان غزيز علي المجني عليه ولا يتحمل تعذيبه، والمشكلة لها ثلاث أبعاد أحدهما ديني والآخر أخلاقي والأخير قانوني.